الإعراب المتعارف عليه في مثل هذه الكلمة، والإعراب الحقيقي أن تقول: فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بالضم الذي جيء به لمناسبة واو الجماعة، ويقال اختصارا: فعل، وفاعل. {يا مَرْيَمُ:} (يا): حرف نداء ينوب مناب «أدعو». (مريم):
منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب ب: «يا». {لَقَدْ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، تقديره: والله، وهذا الجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: نقسم. (قد):
حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. جئت: فعل، وفاعل. {شَيْئاً:} مفعول به على معنى فعلت شيئا. وقيل هو مصدر مفعول مطلق على معنى جئت مجيئا. {فَرِيًّا:} صفة له والجملة الفعلية: {لَقَدْ..}. إلخ جواب القسم المقدر لا محل لها. والكلام: {يا مَرْيَمُ لَقَدْ..}. إلخ كله في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالُوا..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ اِمْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)}
الشرح: {يا أُخْتَ هارُونَ:} لقد اختلف الناس في معنى هذه الأخوة، ومن هارون؟ فقيل:
كان رجلا صالحا في بني إسرائيل، شبهت به في عفتها، وصلاحها، وليس المراد منه الأخوة في النسب. قيل: إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا، كلهم يسمون هارون سوى سائر الناس.
وقيل: كان هارون أخاها لأبيها. وقيل: إنما عنوا هارون أخا موسى؛ لأنها كانت من نسله، وبينهما ألف سنة، كما يقال: للتميمي: يا أخا تميم نسبة للقبيلة. وقيل: بل كان في زمنها رجل فاجر اسمه هارون، فنسبوها إليه على جهة التعيير، والتوبيخ، والله أعلم بحقيقة الأمر.
{ما كانَ أَبُوكِ} أي: عمران. {اِمْرَأَ سَوْءٍ} أي: يفعل السوء. هذا؛ وأصل امرأ: المرء، ولما كثر استعمالهم لها، حتى أصبحت تستخدم للدّلالة على الإنسان، وعلى الحيوان مجازا، وكان الهمز في آخرها ثقيلا بعد السكون خففوها كثيرا بحذف الهمزة، وإلقاء حركتها على الراء، فقالوا:
المر، وبذلك أشبهت الراء منها النون من (ابن) في تلقى حركات الإعراب، ولإعلالهم هذه الكلمة كثيرا بحذف الهمزة شبهوها بما حذف آخره، نحو (اسم، ابن، است) فجبروها بهمزة وصل في حالة التنكير، ثم ردوا إليها الهمزة، فقالوا: امرؤ، وبذلك أصبحت تعرب من مكانين، فتظهر حركات الإعراب فيها على الراء والهمزة، فتقول: هذا امرؤ، ورأيت امرءا، ومررت بامرئ. قال تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ،} {ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ،} {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.
هذا؛ و (السّوء): الشر والفساد، والجمع: أسواء، وهم بضم السين من ساءه، وهو بفتحها كما هنا المصدر، وتقول: رجل سوء بالإضافة، ورجل السّوء، ولا تقول: الرجل السّوء. قال تعالى: {إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ} وتأنيث السّوء: السّوأى، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى}. {وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا:} زانية. وانظر الآية رقم [٢٠] لإعلاله، فمدحوا