للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة، أو نحو ذلك، والمذكور تفسير له. انتهى. والمعتمد الأول. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {عَلى كُلِّ:} متعلقان ب‍: {شَهِيدٌ} بعدهما و {كُلِّ} مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {شَهِيدٌ:} خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. هذا؛ وأجيز اعتبارها خبرا ل‍: {إِنَّ} الأولى، والجملة الثانية توكيدا للأولى. والمعتمد الأول.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨)}

الشرح: {أَلَمْ تَرَ} أي: ألم تعلم. وقال القرطبي: أي: ألم تر بقلبك، وعقلك. {أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ:} {مَنْ} في الأصل للعاقل، واستعملت هنا للعاقل، وغيره تغليبا. {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ..}. إلخ: قيل: السجود في هذه الآية تحول ظلال هذه الأشياء، فتكون كآية (الرعد) رقم [١٥]، وآية (النحل) رقم [٤٨] وقيل: ما في السماء نجم، ولا شمس، ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه. وقيل: معنى سجودها: الطاعة، والانقياد، فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله تعالى، خاشع، ومسبح له، كما وصفهم بالخشية، والتسبيح، كما رأيت في الآية رقم [٤٤] من سورة (الإسراء)، وهذا مذهب أهل السنة، وهو: أن الأجسام لما كانت قابلة لجميع الأعراض التي خلقها الله تعالى فيها من غير امتناع ألبتة؛ أشبهت بمطاوعتها أفعال المكلف، وهو السجود الذي كل خضوع دونه، وأفرد الشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب بالذكر لشهرتها، واستبعاد السجود منها.

{وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ} أي: ويسجد له كثير من الناس سجود عبادة، وطاعة، وتخصيص (كثير من الناس) بالذكر مع كونه من جملة الموجودات في الأرض ليذكر بعده: أن كثيرا من الناس لا يعبدون الله، ولا يطيعونه، وهم الذين استحقوا العذاب، وهو قوله جل شأنه: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ}. {وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} أي: من أهانه بالشقاء والكفر لا يقدر أحد على دفع الهوان عنه، وهذا يعود إلى تقدير العزيز العليم في الأزل على من كتب له الشقاوة، وانظر الآية رقم [٢٧] من سورة (الرعد) فالبحث فيها جيد. {إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ} أي: يكرم بالسعادة من يشاء، ويهين بالشقاوة من يشاء، فلا اعتراض عليه {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} هذا؛ وهذه الآية يسن السجود عند تلاوتها للقارئ، والمستمع، والسامع. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٥٧] من سورة (مريم)، والآية رقم [٥٠] من سورة (النحل) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. وانظر ما ذكرته برقم [٧٧] الآتية.

<<  <  ج: ص:  >  >>