بعد هذا انظر شرح {السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} في الآية رقم [٣٠] من سورة (الأنبياء)، وانظر شرح (الناس) في الآية رقم [١] منها، أما (الدواب) فهو جمع: دابة، وهي تشمل كل ما يدب على وجه الأرض من إنسان، وحيوان. هذا؛ و {يَشاءُ} ماضيه: شاء، فلم يرد له أمر، ولا ل: «أراد» فيما أعلم، فهما ناقصا التصرف، وأصل (شاء): شيء على فعل بكسر العين، بدليل شئت شيئا، وقد قلبت الياء ألفا؛ لتحركها، وانفتاح ما قبلها، وقد كثر حذف مفعوله، وحذف مفعول (أراد) حتى لا يكاد ينطق به إلا في الشيء المستغرب، مثل قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا} وقال الشاعر الخزيمي: [الطويل]
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع
وقيد بعضهم حذف مفعول هذين الفعلين بعد «لو» وليس كذلك.
الإعراب: {أَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام، وتقرير. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم.
{تَرَ:} مضارع مجزوم ب: (لم) وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره: «أنت». {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:}
اسمها. {يَسْجُدُ:} مضارع. {اللهَ:} متعلقان به. {مَنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل: {يَسْجُدُ}. {فِي السَّماواتِ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {وَمَنْ فِي الْأَرْضِ:} معطوف على ما قبله، وهو مثله في إعرابه. {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ:} هذه الأسماء معطوفة على {مَنْ} الأولى، وجملة: {يَسْجُدُ..}. إلخ في محل رفع خبر {أَنَّ،} و {أَنَّ} واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعول، أو مفعولي الفعل {تَرَ،} وجملة: {أَلَمْ تَرَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.
{وَكَثِيرٌ:} فيه أوجه: أحدها: أنه مرفوع بفعل محذوف، تقديره: ويسجد له كثير من الناس.
الثاني: أنه معطوف على ما قبله، وفي ذلك ثلاث تأويلات: أحدها: أن المراد بالسجود: القدر المشترك بين الكل العقلاء وغيرهم، وهو الخضوع، والطواعية، وهو من الاشتراك المعنوي، والتأويل. الثاني: أنه مشترك اشتراكا لفظيا، ويجوز استعمال المشترك في معنييه. والتأويل الثالث:
أن السجود المسند للعقلاء حقيقة، ولغيرهم مجاز، ويجوز الجمع بين الحقيقة، والمجاز.
الثالث من الأوجه المتقدمة: أن يكون (كثير) مرفوعا بالابتداء، وخبره محذوف، تقديره:
مثابون، أو: مطيعون، ونحو ذلك. {مِنَ النّاسِ:} متعلقان ب: (كثير) أو بمحذوف صفة له.
{وَكَثِيرٌ:} الواو: حرف استئناف. (كثير): مبتدأ، ومتعلقه محذوف لدلالة ما قبله عليه، التقدير: وكثير منهم. {حَقَّ:} ماض. {عَلَيْهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {الْعَذابُ:} فاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {وَكَثِيرٌ حَقَّ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، وقيل: إن (كثير) معطوف على {مَنْ،} وجاز ذلك؛ لأن السجود هو التذلل، والانقياد،