الشرح:{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ} أي: على الحقيقة، فيثبت بينه وبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة، وغيرها، والمراد:{مِنْ رِجالِكُمْ} البالغين، والحسن والحسين لم يكونا بالغين حينئذ، وأولاده صلّى الله عليه وسلّم القاسم، وهو أول أولاده، وبه يكنى، وعبد الله، وكان يلقب ب:
الطيب، والطاهر. وقيل: الطيب، والطاهر غير عبد الله المذكور، ولدا في بطن واحدة قبل البعثة.
وإبراهيم ماتوا قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال، ولو بلغوا كانوا رجاله، لا رجال أصحابه.
{وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ:} وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير، والتعظيم له عليهم، ووجوب الشفقة، والنصيحة لهم عليه، لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء، والأبناء، وزيد بن حارثة واحد من رجالكم، الذين ليسوا بأولاده حقيقة، فكان حكمه حكمكم، والادعاء، والتبني من باب الاختصاص، والتقريب لا غير.
{وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ:} بفتح التاء وهي قراءة عاصم وحده بمعنى: أنهم به ختموا، فهو كالخاتم، والطابع لهم، وقرأ الجمهور بكسر التاء بمعنى: أنه ختمهم، أي: جاء آخرهم. وقيل:
الخاتم، والخاتم لغتان، مثل: طابع، وطابع، ودانق ودانق، وطابق من اللحم، وطابق هذا؛ وقال بعضهم: هو فعل مثل: قاتل بمعنى: ختمهم.
تنبيه: قال ابن عطية-رحمه الله تعالى-: هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة، خلفا، وسلفا، متلقاة على العموم التام، مقتضية نصا: أنه لا نبي بعده صلّى الله عليه وسلّم، وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى ب:«الهداية» من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف، وما ذكره الغزالي في هذه الآية، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه ب:«الاقتصاد» إلحاد عندي، وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلّى الله عليه وسلّم النبوة، فالحذر الحذر منه، والله الهادي برحمته. انتهى. قرطبي. أقول: وقد ادعى خبيث النبوة في عصرنا الحديث في باكستان، ولا تزال جماعة تقول بنبوته. هدانا الله وإياهم طريق الحق، والصواب.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد: لو لم أختم به النبيين؛ لجعلت له ابنا يكون بعده نبيا. وعنه-رضي الله عنهما-قال: إن الله لما حكم أن لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا. انتهى. خازن ويعجبني في هذا المقام قول حسان-رضي الله عنه-مخاطبا النبي صلّى الله عليه وسلّم حين توفي إبراهيم ابنه معزيا له:[الطويل] مضى وهو محمود العواقب لم يشب... بعيب ولم يذمم بقول ولا فعل
رأى أنّه إن عاش ساواك للعلا... فآثر أن تبقى وحيدا بلا مثل