{مَلْجَإٍ،} و (إذ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة، وتنوينه ينوب عن جملة محذوفة دلّت عليها الغاية، التقدير: يوم إذ تحشرون، أو تعاقبون، ونحوه، والجملة الاسمية:{وَما لَكُمْ..}. إلخ مستأنفة، لا محلّ لها، وجملة:{وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} معطوفة عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق.
الشرح:{فَإِنْ أَعْرَضُوا:} عن الإيمان، ولم يقبلوا هداية الرحمن. {فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} أي: حافظا لأعمالهم حتى تحاسبهم عليها. وقيل: موكلا بهم لا تفارقهم دون أن يؤمنوا؛ أي: ليس لك إكراههم على الإيمان. {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ:} أي: ليس عليك إلاّ البلاغ يا محمد وقد فعلت. قال أبو حيان: والآية تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وتأنيس له، وإزالة لهمّه، وهي منسوخة بآية القتال.
شدة من مرض، وفقر، وقحط، وغير ذلك مما يسوءهم. {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: من الكفر، والظلم، وارتكاب المعاصي. ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي؛ نسبت الأعمال كلها إلى الأيدي، وإن كانت من أعمال القلوب والأرجل، والعيون، والآذان تغليبا للأكثر على الأقل.
{فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ:} بليغ الكفران؛ أي: الجحود ينسى النعمة رأسا، ويذكر البلية، ويعظمها، ولا يتأمل سببها، وهذا؛ وإن اختصّ بالمجرمين؛ جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه، وتصدير الشرطية الأولى ب:{إِذا} والثانية ب: (إن) لأنّ إذاقة النعمة محققة من حيث إنّها مقضية بالذات، بخلاف إصابة البلية. وإقامة علة الجزاء مقامه، ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أنّ هذا الجنس موسوم بكفران النعمة. انتهى. بيضاوي.
وقال الإمام الفخر الرازي: نعم الله في الدنيا وإن كانت عظيمة إلاّ أنها بالنسبة لسعادة الآخرة كالقطرة بالنسبة إلى البحر، فلذلك سماها: ذوقا، فبين الله تعالى: أنّ الإنسان إذا فاز بهذا القدر الحقير في الدنيا؛ فإنّه يفرح بها، ويعظم غروره بسببها، ويقع في العجب، والكبر، ويظن: أنّه فاز بكل المنى، وذلك لجهله بحال الدنيا وحال الآخرة. انتهى. صفوة التفاسير.
هذا؛ و (أل) في {الْإِنْسانَ} للجنس الذي يدخل تحته أفراد كثيرة، ولذا جمع الضمير الواقع بين اللفظين. وما ذكر في الآية الكريمة ليس حال المؤمن، وإنّما حاله ما ذكره الرسول صلّى الله عليه وسلّم