للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)}

الشرح: نزلت السورة الكريمة في رهط من قريش، منهم: الحارث بن قيس السهمي، والعاص بن وائل السهمي، والوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن عبد المطلب بن أسد، وأمية بن خلف. قالوا: يا محمد! هلمّ اتبع ديننا، ونتبع دينك، ونشركك في ديننا كله، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معاذ الله أن أشرك به غيره!» قالوا: فاستلم بعض آلهتنا؛ نصدقك، ونعبد إلهك. قال: «حتى أنظر ما يأتي من ربي». فأنزل الله عز وجل السورة بكاملها، فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد الحرام، وفيه أولئك الملأ من قريش، فقام على رؤوسهم، ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك، وآذوه وأصحابه. انتهى. خازن. وهذا يثبت: أن السورة مكية، ونزل قوله تعالى في سورة (القلم): {فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.

هذا؛ وإن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأتيهم في ناديهم، ويقول لهم: «يا أيّها الكافرون» وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر، ويدخلوا في جملة أهله؛ لأنه يعلم أنه محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد، أو تقع به أذية منهم، وكثيرا ما كانوا يلجؤون إلى عمه أبي طالب، ويطلبون منه أن يكفه عن تسفيه أحلامهم، وشتم آبائهم، وعيب آلهتهم. وأما المسلمون؛ فلا يجوز لهم أن يسارعوا إلى مثلها، ويقيسوا على أنفسهم بنبيهم الذي حفظه الله، ورعاه، ومنعه من أعدائه.

قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٠٨]: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ..}. إلخ.

وأما وجه التكرار؛ فقيل: إنه للتأكيد في قطع أطماعهم، كما تقول: والله لا أفعل كذا! ثم والله لا أفعله! قال أكثر أهل المعاني: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أنّ من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف، والإيجاز؛ لأن خروج الخطيب، والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد. قال تعالى في سورة (الرحمن): {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ،} وقال تعالى في سورة (المرسلات): {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وقال عز وجل في سورة (النبأ): {كَلاّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ،} وقال جل ذكره في سورة (الشرح): {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} هذا التكرار في السور المذكورة كله

<<  <  ج: ص:  >  >>