الشرح:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي: القرآن؛ ليعلموا: أنه الحق من ربهم، بإعجاز لفظه، ووضوح مدلوله، فهو كقوله تعالى في الآية رقم [٨٢] من سورة (النساء): {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}.
وسمي القرآن هنا قولا؛ لأنهم خوطبوا به، وتدبر القرآن: التأمل في معانيه، والتبصر بما فيه، وأصل التدبر: النظر في عواقب الأمور، والتفكر في أدبارها، ثم استعمل في كل تدبر، وتأمل.
والتفكر بمعنى التدبر، وهو تصرف القلب بالنظر في الدلائل. وهذا يرد قول من زعم من الروافض: أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والإمام المعصوم.
{أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ:} من الرسول، والكتاب، أو الأمن من عذاب الله تعالى، فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الأقدمون، كإسماعيل عليه السّلام، وأعقابه، فآمنوا بالله، وكتبه، ورسله، وأطاعوه. هذا؛ وقيل:{أَمْ} بمعنى: «بل»، فيكون المعنى: بل جاءهم ما لا عهد لآبائهم به، فلذلك أنكروه، وتركوا التدبر له، والتأمل فيه. هذا؛ والفعلان: جاء، ويأتي هنا بمعنى: وصل، وبلغ، فلذا تعديا لمفعول واحد، وإذا كانا بمعنى: حضر، وأقبل يكونان لا زمين، مثل قوله تعالى:{إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ،} وقوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}. هذا؛ والكلام في:{أَفَلَمْ} مثل الكلام في: {أَفَلا} في الآية رقم [٣٠] من سورة (الأنبياء).
تنبيه: قال الجمل نقلا عن زاده: لما وصف الله حال الكفرة؛ الذين فرقوا دينهم؛ ردّ عليهم بأن بيّن: أنّ إقدامهم على هذه الضلالة لا بد أن يكون لأحد أربعة أمور: أحدها: ألاّ يتأملوا في دليل نبوته، وهو القرآن المعجز. ثانيها: أن يعتقدوا: أن بعثة الرسول أمر غريب لم تسمع، ولم ترد عن الأمم السالفة. وليس كذلك؛ لأنهم قد عرفوا بالتواتر: أن الرسل كانت ترسل إلى الأمم. ثالثها: ألاّ يكونوا عالمين بأمانة مدّعي الرسالة، وصدقه قبل ادعائه النبوة، وليس كذلك، فإنهم قد عرفوا منه قبل ادعاء النبوة كونه في نهاية الأمانة والصدق، فكيف كذبوه بعد أن اتفقت كلمتهم على تسميته بالأمين الصادق؟! رابعها: أن يعتقدوا فيه الجنون، فهو الذي حمله على ادعائه الرسالة. وهذا أيضا فاسد؛ لأنهم كانوا يعلمون: أنه أعقل الناس. انتهى. وسيأتي خامس في قوله:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} الآية رقم [٧٣].
الإعراب:{أَفَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام. الفاء: حرف استئناف، أو هي حرف عطف.
(لم): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَدَّبَّرُوا:} مضارع مجزوم ب: (لم) وعلامة جزمه حذف النون... إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية مستأنفة، أو معطوفة على جملة مقدرة قبلها، التقدير: فعلوا ما فعلوا مما سبق، فلم يدبروا القول. والأول أقوى هنا فيما يظهر.
{الْقَوْلَ:} مفعول به، وانظر المتعلق في الشرح. {أَمْ:} حرف عطف. {جاءَهُمْ:} ماض،