للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرته في الآية رقم [٣٥] من سورة (يوسف) عليه السّلام، وجملة: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ..}. إلخ معطوفة على جملة: {أَقْسَمْتُمْ..}. إلخ، وأيضا جملة: {وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ} معطوفة عليها.

{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦)}

الشرح: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ:} لقد اختلف في الضمير إلى من يعود، فقيل: يعود إلى الذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم. وقيل: إن المراد بالضمير كفار قريش الذين مكروا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ليلة الهجرة. انظر الآية رقم [٣٠] من سورة (الأنفال). {وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ} أي: إن مكرهم مسجل عند الله، ومعلوم لديه، فهو يجازيهم عليه يوم القيامة، بالإضافة لما جازاهم به في الدنيا. {وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ..}. إلخ: أي: ما كان مكرهم مكرا يكون له أثر وخطر عند الله تعالى، فالجبال مثل لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: إن المعنى: وما كان مكرهم في تقديرهم لتزول منه الجبال عن أمكنتها، وتؤثر في إبطال الإسلام. وهذا على اعتبار (إن) نافية، واللام لام الجحود. وقرئ «(لَتزولُ منه الجبال)» بفتح اللام الأولى، وضم الثانية؛ أي: على الإثبات، فيكون المعنى: كان مكرهم مكرا عظيما تزول منه الجبال عن مكانها، ولكن الله حفظ محمدا صلّى الله عليه وسلّم ودينه من مكرهم، والجبال لا تزول، ولكن العبارة عن تعظيم الشيء هكذا تكون، ولقد ذكر الخازن، والقرطبي قصة هي أقرب إلى الخيال من الحقيقة. هذا وقرئ: «(وإن كاد مكرهم)»، والمكر: تدبير الأمر في خفية، وهو أيضا احتيال، وخداع.

هذا وفي الآية استعارة تمثيلية: فقد شبه الله مكرهم في شدته، وتفاقمه-لا سيما حينما انتهى أمرهم في ليلة الهجرة إلى المؤامرة الدنيئة المعروفة-بمحاولة إزالة الجبال من أماكنها، وشبه شريعته الغراء، وما أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم من تعاليم سامية، وحجج بينة بالجبال في رسوخها، وتمكنها من نفوس المؤمنين بها المتعلقين بأهدابها، وهي من أرقى الاستعارات، وتزداد روعتها بأن صدور المكر المعد لإزالة الجبال صادر عن قوم لا حول لهم، ولا قوة، حيث شبه قلوبهم في خفتها، وعدم تعلقها بالهواء. هذا؛ وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء: أن الآية تقص علينا خبرا من أخبار النمرود وصرحه الذي بناه، وهو شيء تفرد به، ولم يذكره غيره.

الإعراب: {وَقَدْ:} الواو: واو الحال، أو حرف استئناف. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {مَكَرُوا:} ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق.

{مَكْرَهُمْ:} مفعول مطلق، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر الميمي لفاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة في: {ظَلَمُوا} والرابط: الواو، والضمير، أو هي في محل نصب حال من الساكنين، المفهوم من قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ..}.

<<  <  ج: ص:  >  >>