الشرح:{وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى:} سؤال تقرير، والحكمة فيه تنبيهه وتوقيفه على أنها عصا، حتى إذا قلبها حية علم: أنها معجزة، وإلا فقد علم الله في الأزل ما هي؟ {قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها} أي: أعتمد عليها في المشي، والوقوف. {وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي} أي:
أخبط بها ورق الشجر ليسقط. فيسهل على غنمي تناوله، فتأكله. قال الراجز:[الرجز]
هذا؛ وأما هش، يهش بفتح الهاء، وكسرها في المضارع، فهو بمعنى: السرور، والبشاشة.
{وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} أي: حوائج كثيرة، واحدها: مأربة، بتثليث الراء وانظر الآية رقم [٣١] من سورة (النور)، ووصفها ب:{أُخْرى} بلفظ المفرد؛ لأن {مَآرِبُ} في معنى الجمع لغير العاقل، وما كان من هذا فإنه يعامل معاملة الواحدة المؤنثة، كقوله تعالى:{وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها} وكقوله تعالى: {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ}.
تنبيه: تعرض كثيرون لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس-رضي الله عنهما-، فقال: إذا انتهيت إلى رأس بئر، فقصر الرّشا؛ وصلته بالعصا. وإذا أصابني حر الشمس؛ غرزتها في الأرض، وألقيت عليها ما يظلني. وإذا خفت شيئا من هوام الأرض؛ قتلته بها. وإذا مشيت؛ ألقيتها على عاتقي، وعلقت عليها القوس، والكنانة، والمخلاة، وأقاتل بها السباع عن الغنم.
وقال البيضاوي: وكأنه عليه الصلاة والسّلام فهم: أن المقصود من السؤال أن يتذكر حقيقتها، وما يرى من منافعها، حتى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة، ووجد منها خصائص خارقة للعادة، مثل أن يشتعل شعبتاها بالليل كالشمع، وتصيران دلوا عند الاستقاء، وتطول بطول البئر. وتحارب عنه إذا ظهر عدو، وينبع الماء بركزها، وينضب بنزعها، وتورق، وتثمر إذا اشتهى ثمرة، فركزها؛ علم: أن ذلك آيات باهرة، ومعجزات قاهرة، أحدثها الله فيها لأجله، وليست من خواصها، فذكر حقيقتها، ومنافعها مفصلا ومجملا، على معنى: أنها من جنس العصي تنفع منافع أمثالها، ليطابق جوابه الغرض الذي فهمه. هذا؛ ومن فوائد العصا: أن الرجل إذا كبر يعتمد عليها في مشيه. قال عمرو بن أحمد الباهلي:[البسيط]
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني... ثوبي فأنهض نهض الشّارب السّكر
وكنت أمشي على رجلين معتدلا... فصرت أمشي على أخرى من الشّجر