المستقيم؛ الذي لا شك، ولا ريب فيه. وفيه بيان: أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بالله وبنصرته؛ لأن للباطل جولة، ثم يضمحل. وقيل: للباطل جولة، وللحق ألف جولة، قال تعالى:
هذا؛ والحق ضد الباطل، قال الراغب: أصل الحق المطابقة والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على الاستقامة. والحق يقال لموجد الشيء بسب ما تقتضيه الحكمة، ولذلك قيل في الله تعالى: هو الحقّ، للموجد بحسب مقتضى الحكمة حقّ؛ ولذلك يقال: فعل الله كلّه حقّ، نحو قولنا: الموت حقّ، والحساب حقّ... إلخ، وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، نحو اعتقاد زيد في الجنة حق، وللفعل والقول الواقعين بحسب ما يجب، وقدر ما يجب، في الوقت الذي يجب، نحو: قولك حق، وفعلك حق، ويقال:
الإعراب:{فَتَوَكَّلْ:} الفاء: حرف استئناف، أو هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك واقعا، ومحققا، فتوكل... إلخ. (توكل): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت»، والجملة الفعلية لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الفاء. {عَلَى اللهِ:}
جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {إِنَّكَ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير متصل في محل نصب اسمها. {عَلَى الْحَقِّ:} متعلقان بمحذوف خبر (إنّ). {الْمُبِينِ:} صفة الحق، والجملة الاسمية:{إِنَّكَ..}. إلخ تعليل للأمر، لا محل لها من الإعراب.
الشرح: لما كان الكفار، لا يفهمون ما يسمعون، ولا به ينتفعون؛ شبهوا بالموتى، وهم أحياء صحاح الحواس، وبالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون، وبالعمي حيث يضلون الطريق، ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم، ويجعلهم هداة بصراء إلا الله تعالى. ثم أكد حال الصم بقوله:{إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ؛} لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبرا؛ كان أبعد عن إدراك صوته. انتهى. نسفي.
هذا؛ وأقول: إن الله قال عنهم في سورة (البقرة): {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ؛} وهم لم يكونوا في الحقيقة كذلك، ولكن المعنى: هم صم عن سماع الحق، وهم خرس عن النطق بالحق، وهم عمي عن طريق الحق، فلا يهتدون، وهذا تكرر في القرآن الكريم، وآية الأعراف رقم [١٧٩] ذكرت أن لهم قلوبا، ولكن لا يفقهون بها، وأن لهم أعينا؛ ولكن لا يبصرون بها طريق الخير، والهدى، وأن لهم آذانا، ولكن لا يسمعون بها الحق سماع قبول، وتدبر. هذا؛ والموتى جمع:
ميت ويجمع على أموات، وكلاهما جمع تكسير، ويجمع جمع سلامة أيضا: ميتون، قال تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.