للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)}

الشرح: {وَسَخَّرَ لَكُمْ..}. إلخ: أي: وذلل لكم كل ما في هذا الكون من كواكب، وجبال، وبحار، وأنهار، ونبات، وأشجار، الجميع من فضله، وإحسانه، وامتنانه، من عنده وحده جلّ وعلا، ولذا قال: {جَمِيعاً مِنْهُ} كقوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٥٣]: {وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ}.

{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ:} الإشارة عائدة إلى ما ذكره الله في هاتين الآيتين، وسخره لبني آدم، وإذا تفكروا؛ اتعظوا، وإذا اتعظوا؛ آمنوا، وإذا آمنوا؛ عبدوا. والتفكر في صنع الله أعظم عبادة يقوم بها العبد. وقد ورد: لتفكر ساعة في صنع الله أفضل من عبادة ستين سنة. وورد: تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله، فإنه لا تحيط به الفكرة. وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا عبادة كالتفكر»؛ لأنه المخصوص بالقلب، والمقصود من الخلق، وعنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «بينما رجل مستلق على فراشه؛ إذ رفع رأسه، فنظر إلى السماء، والنجوم. فقال:

أشهد أنّ لك ربا، وخالقا، اللهم اغفر لي، فنظر الله إليه، فغفر له». هذا؛ والفكر: تصرف القلب في طلب الأشياء، وقال صاحب المفردات: الفكرة: قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر: جريان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلاّ فيما يمكن أن يكون له صورة في القلب. انتهى. والفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المطلوبة من التآنس، والتجانس بين الأشياء كالزوجين. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

فائدة:

يحكى: أنّ طبيبا نصرانيا حاذقا جاء للرشيد، فناظر علي بن الحسين الواقدي ذات يوم، فقال له: إن في كتابكم ما يدل على أنّ عيسى جزء من الله تعالى، وتلا قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٤٥]: {إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} وقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [١٧١]: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} فقرأ عليه الواقدي قوله تعالى في هذه السورة: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} وقال له: إذا يلزم أن تكون جميع الأشياء جزآ منه سبحانه! فانقطع النصراني، وأسلم. وفرح الرشيد فرحا شديدا، وأعطى الواقدي صلة فاخرة.

الإعراب: {وَسَخَّرَ:} الواو: حرف عطف. (سخر): فعل ماض، والفاعل يعود إلى:

{الَّذِي،} تقديره: «هو»، والجملة الفعلية معطوفة على سابقتها، لا محلّ لها مثلها. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. {فِي السَّماواتِ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {ما:} معطوف على ما قبله. {فِي}

<<  <  ج: ص:  >  >>