الشرح:{لِلّهِ ما فِي..}. إلخ؛ أي: كلّ ما فيهما ملك لله تعالى خلقا، وعبيدا، وفي {ما} تغليب غير العاقل على العاقل؛ لأنّهم أكثر، وقال الجمل: في هذه الآية استدلال على قوله:
{وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ،} فاستدلّ بسعة ملكه على سعة علمه. {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ:}
تظهروا ما في أنفسكم من السّوء، والعزم عليه. {أَوْ تُخْفُوهُ:} تسرّوه في قلوبكم، وضمائركم.
هذا؛ وما يخطر على البال، وتتحدّث به النفس له مراتب خمسة: القصد، والهاجس، والخاطر، وهمّ، وعزم، فنظمها بعضهم في قوله:[البسيط]
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا... وخاطر فحديث النّفس فاستمعا
يليه همّ فعزم كلّها رفعت... سوى الأخير، ففيه الأخذ قد وقعا
في الآية الكريمة أقوال كثيرة، أكتفي بقولين:
الأوّل: أنها منسوخة بالآية التالية قاله كثير من الصحابة والتابعين، وذلك: أنّه لمّا نزلت اشتد ذلك على الصّحابة، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم جثوا على الرّكب، وقالوا: يا رسول الله! كلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصّلاة، والصّيام، والجهاد، والصّدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«أتريدون أن تقولوا، كما قال أهل الكتابين من قبلكم:
سمعنا، وعصينا؟! بل قولوا: سمعنا، وأطعنا، غفرانك ربّنا وإليك المصير» فلمّا أقرّ بها القوم، وذلّت بها ألسنتهم؛ أنزل الله في أثرها:{آمَنَ الرَّسُولُ..}. إلخ، فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله قوله:{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}.
القول الثاني: أنّها محكمة غير منسوخة، والله يحاسب خلقه على ما عملوا من عمل، وعلى ما لم يعملوه ممّا ثبت في نفوسهم، وأضمروه، ونووه، وأرادوه، فيغفر للمؤمنين، ويأخذ به أهل الكفر، والنّفاق، ذكره الطّبريّ عن قوم، فقد روي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: أنه قال: لم تنسخ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول: «إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم، فأمّا المؤمنون، فيخبرهم، ثمّ يغفر لهم، وأمّا أهل الشّكّ والرّيب؛ فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب، فذلك قوله:{يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ..}. إلخ، وهو قوله عز وجل:{وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} من الشكّ، والنّفاق، وقال الضحاك: يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسرّه؛ ليعلم: أنّه لم يخف عليه، وفي الخبر: «إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة: هذا يوم تبلى فيه