للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠)}

الشرح: {فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ}: انظر الشرح في الآية رقم [٥٩] مع ملاحظة اقتران الكلام هنا بالفاء، واقترانه هناك بالواو، والسبب في ذلك أن الواو لمطلق الجمع، والتجهيز هناك كان متصلا بمجيئهم ومعرفتهم وإكرامهم، والفاء للتعقيب، والتجهيز هنا قد تمادى عن دخولهم على يوسف بسبب إكرامهم وضيافتهم مدة طويلة، خذ هذا، وافهمه فإنه جيد لم يذكره أحد من المفسرين.

هذا؛ وقال الجمل: عبر هنا بالفاء إشارة إلى طلب سرعة سيرهم، وذهابهم لبلادهم؛ لأن الغرض منه قد حصل، وقد عرفت حالهم، بخلاف المرة الأولى كان المطلوب طول مدة إقامتهم ليتعرف الملك حالهم. انتهى. قارن بين قولي، وقوله، وانظر أي: القولين أصح.

{جَعَلَ السِّقايَةَ} هذا السقاية والصواع الآتي شيء واحد: إناء له رأسان في وسطه مقبض، كان الملك يشرب منه من الرأس الواحد، ويكال الطعام بالرأس الآخر، قاله النقاش عن ابن عباس-رضي الله عنهما-وكل شيء يشرب به فهو صواع، واختلف في جنسه، فقيل: هو من ذهب، وقيل: هو من فضة، وقيل: هو من زبرجد. انتهى. قرطبي بتصرف. {فِي رَحْلِ أَخِيهِ}:

انظر شرح الرحل في الآية رقم [٦٢] {أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}: نادى مناد بصوت رفيع، بعد انفصالهم عن مجلس يوسف. فأمهلهم يوسف حتى انطلقوا، وخرجوا من العمارة، ثم أرسل خلفهم من استوقفهم وحبسهم، بل قيل: إنهم وصلوا إلى بلبيس، وردّوا من عندها. والأذان في اللغة:

الإعلام.

{أَيَّتُهَا الْعِيرُ} أيتها القافلة، هذا؛ والعير كل ما امتير عليه من الإبل، والبغال، والحمير، والأول أشهر، والمراد أصحاب العير، فهو على حد قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «يا خيل الله اركبي».

{إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ} أي: فقفوا، والسرقة أخذ مال الغير في خفاء.

تنبيه: إن قيل: كيف رضي بنيامين بالقعود طوعا، وفيه عقوق الأب بزيادة الحزن، ووافقه على ذلك يوسف؟ والجواب: أن الحزن كان قد غلب على قلب يعقوب، بحيث لا يؤثر عليه فقد بنيامين كل التأثير، أولا تراه لما فقده؛ قال: {يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ} ولم يعرج على ذكر بنيامين، ولعل يوسف إنما وافقه على القعود بوحي.

وإن قيل: كيف نسب يوسف السرقة إلى إخوته، وهم براء، والجواب: أن القوم كانوا قد سرقوه من أبيه فألقوه في الجب، ثم باعوه، فاستحقوا هذا الاسم بذلك الفعل، فصدق إطلاق ذلك عليهم، فهو من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب. وقيل: المراد: أيتها

<<  <  ج: ص:  >  >>