للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَجْرُ:} فاعله، وهو مضاف، و {الْعامِلِينَ} مضاف إليه، والمخصوص بالمدح محذوف، التقدير: هو الجنة، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها؛ إذ هي من كلام الله تعالى.

{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)}

الشرح: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ..}. إلخ: قال الجمل: لما ذكر سبحانه وتعالى ما أعطيه المؤمنون من الدرجات؛ أتبعه بذكر أهل الكرامات، الذين لا شاغل لهم عن العبادات، وبيان مستقرهم في الجنة، وهم الملائكة، فقال صارفا الخطاب لأشرف الخلق؛ لأنه لا يقول بحق هذه الرؤية غيره؛ أي: وترى يا محمد في ذلك اليوم الملائكة؛ أي: القائمين بجميع ما عليهم من الحقوق. انتهى. {حَافِّينَ} أي: محدقين محيطين بالعرش، مصطفين بحافته، وجوانبه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حفّت الجنة بالمكاره، وحفّت النّار بالشهوات». وقال الفراء وتبعه الزمخشري:

لا واحد ل‍: {حَافِّينَ} من لفظه، وكأنهما رأيا: أن الواحد لا يكون حافا؛ إذ الحفوف هو الإحداق بالشيء، والإحاطة به. وهذا لا يتحقق إلا في جمع. {مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ:} انظر شرح {الْعَرْشِ} في الآية رقم [٤] من سورة (السجدة). أما {حَوْلِ} فهو ظرف مكان لا يتصرف، فهو ملازم للظرفية أبدا، يقال: قعد حوله، وحواله، وحوليه. وحواليه ولا تقل: حواليه (بكسر اللام) وقعد بحياله وحياله؛ أي: بإزائه، وإزاءه.

{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي: يقولون: سبحان الله وبحمده. تلذذا بذلك، لا تعبدا، وتكليفا؛ لأن التكليف يزول في ذلك اليوم. وذلك يشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التسبيح، وأفهم أن منتهى درجات العليين ولذاتهم الاستغراق في صفاته تعالى، وتسبيحه، وتقديسه. {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي: بين الخلائق بإدخال بعضهم الجنة، وإدخال بعضهم النار بالحق، والعدل، {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}. {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي: على ما قضى بيننا بالحق، والقائلون هم المؤمنون المقضي لهم، أو الملائكة، وطيّ ذكرهم؛ لتعينهم، وتعظيمهم.

هذا؛ والحمد في الآية الأولى على الصدق بالوعد، وإيراث الجنة، وهذا على القضاء بالحق، قال الطيبي: الحمد الأول للتفرقة بين الفريقين بحسب الوعد، والوعيد من السخط والرضوان، والثاني للتفرقة بينهما بحسب الأبدان: فريق في الجنة، وفريق في السعير، فتكون الآية الثانية كالتتميم بالنسبة للأولى في إتمام القضاء، وعلى الثاني كالتكميل؛ لأن ذلك القضاء في حق بني آدم، وهذا في حق الملائكة. ويؤيد التأويل الثاني تكرير الحمد في الآيتين، والأول هو الظاهر. والله أعلم بمراده، فلا يرد: ما وجه تكرار حمد المؤمنين؟. انتهى. جمل نقلا من كرخي.

<<  <  ج: ص:  >  >>