للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)}

الشرح: {فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ} أي: فكل واحد من المذكورين عاقبناه بسبب ذنبه. {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً} أي: ريحا عاصفا، فيها حصباء، أو ملكا رماهم بها، كالذي حصل لقوم لوط، قال تعالى: {وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ:}

كقوم شعيب، وقوم صالح، قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ}. وانظر تفسير الرجفة في الآية رقم [٣٧]. {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ:} والمراد به: قارون، قال تعالى: {فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ}. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا} أي: بالماء، كالذي حصل لقوم نوح، وقوم فرعون.

{وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أي: ليعاملهم معاملة الظالم، فيعاقبهم بغير جرم؛ إذ ليس ذلك من عادته، بل أنذرهم رسولهم عقاب الله، وأمهلهم الله؛ حيث بعث إليهم الرسل، وأزاح العذر.

{وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:} حيث ارتكبوا الجرائم التي سببت لهم الهلاك والدمار.

هذا؛ وانظر شرح (نا) في الآية رقم [٧] من سورة (الشعراء)، وشرح الذنب في الآية رقم [٥٨] من سورة (الفرقان).

تنبيه: مما لا ريب فيه أن أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، قد فعل أفرادها جميع الفواحش، والقبائح التي فعلتها الأمم الماضية، والقرون الخالية من تطفيف، وبخس للكيل والميزان، والزنى وعمل قوم لوط، وسفك الدماء، والظلم، والعدوان، والفساد في الأرض، وتجاوز حدود الله: من سلب للأموال، وانتهاك للحرمات، واعتداء على الكرامات، ومع ذلك لم يقع عذاب على هذه الأمة، وهي باقية بقاء الدهر، ولعل السبب في ذلك: أن الأمة لا تخلو في كل زمان، ومكان من صالحين، وصالحات، فيدفع الله بهم البلاء عن المسيئين، والمسيئات، أو أن الله لم يعاجل هذه الأمة بالأخذ الشديد، والعقاب الأليم، بل يؤخر ذلك إلى يوم القيامة، أو أن السبب كون النبي صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، فلذا لم يعاقب أحدا عقاب استئصال؛ حتى الكافرين لم يعاقبهم ذلك العقاب، وهو فحوى قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} ولكن لا بد من القول:

إن الله سينزل على هذه الأمة في آخر الزمان أنواع العذاب؛ التي أنزلها على الأمم الماضية، والقرون الخالية، وخذ ما يلي:

فعن أبي أمامة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يبيت قوم من هذه الأمّة على طعم، وشرب، ولهو، ولعب، فيصبحوا قد مسخوا قردة، وخنازير، وليصيبنّهم خسف، وقذف، حتّى

<<  <  ج: ص:  >  >>