للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)}

الشرح: {اُنْظُرْ:} خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ:} المراد به اعتذارهم بالباطل، وتبرؤهم من عبادة الأصنام والشرك الذي كانوا عليه، ويستعملون الكذب في الآخرة مثل ما كانوا عليه في دار الدنيا، وذلك لا ينفعهم. وانظر شرح (النفس) في الآية رقم [٧/ ٩] فإنه جيد.

{وَضَلَّ عَنْهُمْ:} غاب عنهم ولم يروه. هذا معناه هنا. هذا؛ وأكثر استعماله في القرآن الكريم بمعنى كفر وخرج عن جادة الحق والصواب، وهو ضد اهتدى واستقام، وضل الشيء: ضاع وهلك، وضل: أخطأ، ولولا هذا المعنى؛ لكفر أولاد يعقوب بقولهم لأبيهم: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} وقولهم في غيبته: {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وضل: تحير، وهو أقرب ما يفسر به قوله تعالى لمحمد صلّى الله عليه وسلّم: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}. {ما كانُوا يَفْتَرُونَ:} يختلقون ويبتدعون من عبادة الأصنام وجميع أنواع الشرك. هذا؛ والتعبير بالماضي بدلا من المستقبل، إنما هو لتحقق وقوعه، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١١٦] (المائدة).

تنبيه: قال مجاهد-رحمه الله تعالى-إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة، ورأى المشركون سعة رحمة الله تعالى وشفاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم للمؤمنين؛ قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجو مع أهل التوحيد، فيحلفون الأيمان الكاذبة: أنهم ما كانوا مشركين، فيختم الله على أفواههم، فتشهد عليهم جوارحهم، كما بين الله ذلك في سورة (النور) وسورة (يس)، وسورة (فصلت). انتهى نسفي.

تنبيه: ذكر الله في هذه الآية: أنهم ينفون شركهم، بل ويحلفون الأيمان الكاذبة، وذكر في الآية رقم [٤/ ٤٢] أنهم لا يقدرون على إخفاء شيء من كفرهم، وذلك بقوله سبحانه {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} والجمع بينهما هو: أن في يوم القيامة مواقف مختلفة، ففي بعضها لا يكتمون، وفي بعضها يكتمون، بل ويكذبون ويحلفون، كما في قوله جل شأنه: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} مع قوله تعالت قدرته {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}. انتهى جمل نقلا عن كرخي.

وانظر الآية رقم [٣٠] الآتية.

الإعراب: {اُنْظُرْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، وهو معلق عن العمل بسبب الاستفهام. {كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من واو الجماعة بعده.

{كَذَبُوا:} فعل وفاعل والألف للتفريق، وانظر إعراب: {آمَنُوا} في الآية رقم [٥/ ١]. {عَلى أَنْفُسِهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية: {كَيْفَ..}. إلخ في محل نصب مفعول به للفعل: {اُنْظُرْ،} وجملة: {اُنْظُرْ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها. (ضل):

ماض. {عَنْهُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {ما:} تحتمل الموصولة والموصوفة والمصدرية، فعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>