وهذا عند معاينة الثواب، والعقاب. هذا؛ وقيل: هذا الصدور إنما هو عند النشور، يصدرون أشتاتا من القبور، فيصار بهم إلى موقف الحساب؛ ليروا أعمالهم في كتبهم، أو ليروا جزاء أعمالهم، فكأنهم وردوا القبور. فدفنوا فيها، ثم صدروا عنها. والوارد الجائي، والصادر:
الإعراب:{يَوْمَئِذٍ:} بدل من سابقه، أو هو منصوب ب:{يَصْدُرُ} بعده، أو هو متعلق بمحذوف تقديره: اذكر. {يَصْدُرُ:} مضارع. {النّاسُ:} فاعله. {أَشْتاتاً:} حال من الناس.
والجملة الفعلية فيها معنى البدلية من جملة:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها} فهي من جملة جواب {إِذا}.
{لِيُرَوْا:} فعل مضارع مبني للمجهول منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والألف للتفريق. {أَعْمالَهُمْ:} مفعول به ثان، والهاء في محل جر بالإضافة، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار، والمجرور متعلقان بالفعل {يَصْدُرُ}.
الشرح: قال مقاتل-رحمه الله تعالى-: نزلت الآيتان في رجلين، وذلك: أنه لما نزل قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ..}. إلخ رقم [٤] من سورة (الدهر) كان أحدهم يأتيه السائل، فيستقل أن يعطيه التمرة، والكسرة، والجوزة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير، كالكذبة، والغيبة، والنظرة، ويقول: إنما أوعد الله النار على الكبائر. فنزلت لترغيبهم في القليل من الخير يعطونه، فإنه يوشك أن يكثر، ويحذرهم اليسير من الذنب، فإنه يوشك أن يكثر. وقاله سعيد بن جبير-رضي الله عنه-. والإثم الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال، وجميع محاسنه أقل في عينه من كل شيء. وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: هذه الآية أحكم آية في القرآن، وأصدق، وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية. وقال كعب الأحبار: لقد أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم آيتان أحصتا ما في التوراة، والإنجيل، والزبور، والصحف:{فَمَنْ يَعْمَلْ..}. إلخ.
وكان ابن عباس-رضي الله عنهما-يقول: من يعمل من الكفار مثقال ذرة خيرا يره في الدنيا، ولا يثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرة من شر؛ عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يره في الدنيا، ولا يعاقب عليه في الآخرة؛ إذا مات، ويتجاوز الله عنه، وإن عمل مثقال ذرة من خير يقبل منه، ويضاعف له في الآخرة. هذا؛ وقد قال الله تعالى في سورة (النساء) رقم [٤٠]: {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} وهذا إذا كانت من مؤمن.