للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-أيضا: ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرا كان، أو شرا إلا أراه الله إياه، فأما المؤمن؛ فيغفر له سيئاته، ويثيبه بحسناته، وأما الكافر؛ فترد حسناته تحسرا، ويعذب بسيئاته. وهذا الاحتمال يساعده النظم، والمعنى. وما قيل من أن حسنات الكافر تؤثر في نقص العقاب يردّه قوله تعالى: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} الآية رقم [٢٣] من سورة (الفرقان) انظر شرحها هناك، فإنه جيد إن شاء الله تعالى.

وقال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-: فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه، وماله، وأهله، وولده؛ حتى يخرج من الدنيا؛ وليس له عند الله خير.

ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه، وماله، وولده، وأهله؛ حتى يخرج من الدنيا؛ وليس له عند الله شر. دليله ما رواه العلماء الأثبات من حديث أنس -رضي الله عنه-أن هذه الآية نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر-رضي الله عنه-يأكل، فأمسك، وقال: يا رسول الله! وإنا لنرى ما عملنا من خير، وشرّ؟ قال: «ما رأيت ممّا تكره؛ فهو مثاقيل ذرّ الشرّ، ويدّخر لكم مثاقيل ذرّ الخير؛ حتى تعطوه يوم القيامة». وخذ ما يلي.

وسمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: «الجامعة الفاذة» حين سئل عن زكاة الحمير، فقال: ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ..}. إلخ وكان هذا السؤال حين ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما في الخيل من الأجر الدائم، والثواب المستمر، سأل السائل عن الحمير فقط؛ لأنهم لم يكن عندهم بغل يومئذ، ولا دخل الحجاز منها إلا بغلة النبي صلّى الله عليه وسلّم الدلدل؛ التي أهداها له المقوقس، فأفتاه في الحمير بعموم الآية. هذا؛ وفي صحيح البخاري عن عدي-رضي الله عنه-مرفوعا: «اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، ولو بكلمة طيبة». وله أيضا في الصحيح: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا؛ ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي، ولو أن تلقى أخاك؛ ووجهك إليه منبسط». أخرجه البخاري. وفي الصحيح أيضا: «يا نساء المسلمات! لا تحقرنّ جارة لجارتها؛ ولو فرسن شاة». يعني: ظلفها. أخرجه البخاري. وفي حديث آخر «ردّوا السائل ولو بظلف محرق». وعن عائشة-رضي الله عنها-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا عائشة استتري من النار، ولو بشقّ تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدّها من الشبعان». أخرجه الإمام أحمد، هذا كله بالنسبة لعمل الخير القليل.

وأما بالنسبة لعمل الشر القليل فخذ ما يلي: فقد روي عن سعد بن جنادة-رضي الله عنه- قال: لما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حنين؛ نزلنا قفرا من الأرض، ليس فيها شيء، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

«اجمعوا، من وجد شيئا؛ فليأت به، ومن وجد عظما، أو سنا؛ فليأت به». قال: فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أترون هذا؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا، فليتق الله رجل، فلا يذنب صغيرة، ولا كبيرة، فإنها محصاة عليه». أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>