للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)}

الشرح: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ:} معناه: اخترع، وأوجد بعد العدم، وقد يقال في الإنسان:

«خَلَقَ» عند إنشائه شيئا، ومنه قول الشاعر: [مجزوء الكامل]

من كان يخلق ما يقو... ل فحيلتي فيه قليله

هذا وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: الفرق بين خلق، وجعل الذي له مفعول واحد: أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين. هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله-: وفي أصل الخلق وجهان: الأول: الإنشاء، والاختراع، والإبداع، قال الله تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} الآية رقم [١٧] من سورة (العنكبوت). والثاني: التقدير، يقال: خلقت الأديم للسّقاء: إذا قدّرته، قبل القطع، قال الشاعر: [الكامل]

ولأنت تفري ما خلقت، وبع‍... ض القوم يخلق ثمّ ولا يفري

ومعنى {لَكُمْ:} لأجلكم، ولانتفاعكم به في دنياكم، ودينكم، أما الانتفاع الدّنيوي، فظاهر، وأما الانتفاع الدّيني؛ فالنظر فيه، وما فيه من عجائب الصّنع الدّالة على الصانع القادر الحكيم، وما فيه من التذكير بالآخرة، وبثوابها، وعقابها... إلخ، ولذا أوجز بعضهم القول فيه، فقال: إنه دليل على التوحيد، والاعتبار، يدلّ عليه ما قبله، وما بعده من نصب العبر:

الإحياء، والإماتة، والخلق، والاستواء إلى السماء، وتسويتها. وقد استدل بهذه الآية، وما كان مثلها، كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} الآية رقم [١٣] من سورة الجاثية ومثلها كثير: أنّ أصل الأشياء الّتي ينتفع بها الإباحة؛ حتى يقوم الدّليل على الحظر، والمنع.

{ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ:} الاستواء في اللغة: الارتفاع، والعلوّ على الشّيء، قال تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [٢٨]: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ،} وقال جل ذكره في سورة (الزخرف) رقم [١٣]: {لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ} ويقال: استوت الشمس على رأسي، واستوت الطّير على قمة رأسي، بمعنى: علا. وهذه الآية من المشكلات، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه: قال بعضهم: نقرؤها ونؤمن بها، ولا نفسّرها، وذهب إليه كثير من الأئمّة، وهذا كما روي عن مالك-رحمه الله-: أنّ رجلا سأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} قال مالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأراك رجل سوء، أخرجوه! وقال بعضهم: نقرؤها، ونفسّرها على ما يحتمل ظاهر اللّغة، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>