للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥)}

الشرح: {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ:} على المشركين. {سُلْطاناً:} حجّة، وعذرا، وقال الضحاك وقتادة، والربيع بن أنس-رضي الله عنهم أجمعين-: {سُلْطاناً} كتابا، وأضاف الكلام إليه توسعا، أو المراد: تكلم دلالة، كقوله تعالى: {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}. هذا؛ وفي الحقيقة قد نطق القرآن بكفرهم كثيرا، كما هو معلوم من الآيات الكثيرة، أو المراد بالكلام: الشهادة، كأنه قال: فهو يشهد بشركهم، كما يشهد بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ويشهد بصحته: أنه منزل من عند الله، ولا تنس: أن (أم) بمعنى همزة الإنكار، فيكون المعنى: لا، لم ننزل عليهم سلطانا. وهو قول الكوفيين. ومذهب البصريين: أنها بمعنى بل، والهمزة، والمعنى: لا يصح إلا على هذا. تأمل.

هذا؛ و (سلطان): تسلط وولاية، ومعناه هنا: الحجة، والبرهان، أو الكتاب، كما رأيت. قال بعض المفسرين المحققين: سميت الحجة سلطانا؛ لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة له، كالسلطان يقهر غيره بقوته. وقال الزجاج: السلطان هو الحجة، وسمي السلطان سلطانا؛ لأنه حجة الله في أرضه. انتهى. ولا تنس ما قاله عثمان بن عفان-رضي الله عنه-: «إنّ الله ليزع بالسّلطان ما لا يزع بالقرآن». أي: يكف عن المعاصي ويردع، وجمعه بمعنى الحاكم، والمالك: سلاطين، ولا يجمع إذا كان بمعنى الحجة، والبرهان. هذا؛ وزعم الفراء: أن العرب تؤنث السلطان، تقول:

قضت به عليك السلطان، أما البصريون فالتذكير عندهم أفصح، وبه جاء القرآن، والتأنيث عندهم جائز؛ لأنه بمعنى الحجة. هذا؛ والسلطان: ما يدفع به الإنسان عن نفسه أمرا يستوجب به عقوبة، كما قال تعالى حكاية عن قول سليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} الآية رقم [٢١] من سورة (النمل).

هذا؛ والكلام بالنسبة للبشر، فهو يدل على أحد ثلاثة أمور:

أولها: الحدث الذي يدل عليه لفظ التكليم، تقول: أعجبني كلامك زيدا، تريد تكليمك إياه.

وثانيها: ما يدور في النفس من هواجس، وخواطر، وكل ما يعبر عنه باللفظ لإفادة السامع ما قام بنفس المخاطب، فيسمى هذا الذي تخيلته في نفسك: كلاما في اللغة العربية، تأمل قول الأخطل التغلبي: [الكامل] لا يعجبنّك من خطيب خطبة... حتّى يكون مع الكلام أصيلا

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما... جعل اللّسان على الفؤاد دليلا

وثالثها: كل ما تحصل به الفائدة، سواء أكان ما حصلت به لفظا، أو خطّا، أو إشارة، أو دلالة حال. انظر إلى قول العرب: «القلم أحد اللّسانين» وانظر إلى تسمية المسلمين ما بين دفّتي

<<  <  ج: ص:  >  >>