للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١)}

الشرح: {وَجَعَلَنِي مُبارَكاً:} نفاعا للناس، أعلمهم الخير، وأرشدهم إلى جميل الأفعال، وكريم الأخلاق. {أَيْنَ ما كُنْتُ:} في أي مكان، وجدت وحللت فيه. {وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ} أي: أمرني بأدائهما إذا أدركني التكليف، وأمكنني أداؤهما. وقيل: إن الله صيره بالغا عاقلا مكلفا حين انفصل من أمه. {ما دُمْتُ حَيًّا:} فهذا يفيد: أنه مكلف في جميع أدوار حياته حين كان في الأرض، وحين رفع إلى السماء، وحين ينزل إلى الأرض في آخر الزمان، هذا، أو يراد بالزكاة المذكورة تطهير النفس من الرذائل، والأفعال الذميمة. هذا؛ والتعبير بلفظ الماضي، إما باعتبار ما سبق في قضائه تعالى، أو بجعل المحقّق وقوعه كالواقع.

هذا؛ و (الصلاة) في اللغة: الدعاء، والرحمة، والعبادة، وهي في الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، ولها شروط وأركان، ومبطلات ومكروهات مذكورة في الفقه الإسلامي، وقد جمعت الأنواع الثلاثة في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} هذا؛ ويكثر في القرآن لفظ {أَقِمِ الصَّلاةَ} و {وَأَقامَ الصَّلاةَ} و {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} والمعنى: أدّ الصلاة كاملة في أوقاتها، وحافظ على طهارتها، وركوعها، وسجودها، وخشوعها، ومن لم يؤدها على الوجه الأكمل، يقال عنه صلى، ولا يقال: أقام الصلاة. أما (الزكاة) فهي في اللغة: التطهير، والنماء، وفي الشرع اسم لمال مخصوص يدفع لأشخاص معلومين مذكورين في الآية رقم [٦٠] من سورة (التوبة) وانظر {أَضاعُوا الصَّلاةَ} في الآية [٥٨] الآتية.

هذا؛ وخص الصلاة والزكاة بالذكر؛ لأن الصلاة أفضل العبادات البدنية، وشرعت لذكر الله، والزكاة أفضل العبادات المالية، ومجموعهما التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله. هذا؛ وأضيف: أن الزكاة قرينة الصلاة، فقد روي: أن أعرابيا جاء إلى ابن عباس-رضي الله عنهما-، فقال له: يا ابن عباس، أنت حبر الأمة، وترجمان القرآن علمك الله أسرار الكتاب، وفقهك في الدين، فقل لي بربك: لماذا قرن الله الصلاة إلى الزكاة في القرآن في أكثر من ثلاثين آية؟ فقال ابن عباس ذلك لتعلم: أن الصلاة، والزكاة توأمان، لا يقبل الله إحداهما بدون الأخرى، تلك حق الله، وهذه حق الناس. ورضي الله عن الصديق الذي سوى بين المرتدين ومانعي الزكاة في القتال، والمحاربة، كما هو مشهور، وخذ قول أحمد شوقي رحمه الله تعالى: [الوافر]

ولم أر مثل جمع المال داء... ولا مثل البخيل به مصابا

عجبت لمعشر صلّوا، وصاموا... ظواهر خشية وتقى كذابا

<<  <  ج: ص:  >  >>