للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢)}

الشرح: {فَكَيْفَ:} أي: فكيف يكون حالهم، أو فكيف يصنعون {إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} أي: عظيمة يعجزون عنها. {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: تصيبهم عقوبة بسبب ما قدّمت أيديهم، وهو التحاكم إلى غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا وعيد لهم على سوء صنيعهم، ورضاهم بحكم الطّاغوت دون حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: المصيبة هي قتل عمر-رضي الله عنه-لذلك المنافق.

هذا؛ وإنّما نسبت الأعمال إلى الأيدي؛ لأنّ أكثر الأعمال إنّما تزاول بالأيدي، وإن كانت من أعمال القلوب، والأرجل، والعيون، والأيدي تغليبا للأكثر على الأقلّ. هذا؛ واليد تطلق في الأصل على اليد الجارحة، وقد تطلق على النفس، والذات، كما في قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٩٥]: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وقد تطلق على القدرة، والقوّة، وهو كثير مثل قوله تعالى في سورة (ص) رقم [١٧]: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ} وخذ قول عروة بن حزام العذري، وهو الشّاهد رقم [١١٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل]

وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها... وما لي بزفرات العشيّ يدان

كما تطلق اليد على النّعمة، والمعروف. يقال: لفلان يد عندي، أي: نعمة، ومعروف، وإحسان، وتطلق على الحيلة، والقوة، فيقال: لا يد لي في هذا الأمر، أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير.

{ثُمَّ جاؤُكَ} أي: المنافقون حين تصيبهم المصائب يعتذرون إليك. {يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا:} ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك. {إِلاّ إِحْساناً} يعني: في التحاكم إلى غيرك، لا إساءة.

{وَتَوْفِيقاً} يعني: بين الخصمين، لا مخالفة لك في حكمك. نظيرها قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [١٠٧]: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى}. وقيل: جاء أولياء المقتول المنافق الّذي قتله عمر-رضي الله عنه-إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يطلبون ديته، وقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا، ويوفّق بينه، وبين خصمه، وما خطر ببالنا: أنّه يحكم بما حكم به من قتل صاحبنا. فأهدر الله دم ذلك المنافق.

هذا؛ وأصاب فلانا البلاء: وقع عليه. وأصابهم المطر: نزل عليهم. قال تعالى في سورة (الروم) رقم [٤٨]: {فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. وتقول: أصاب السّهم، يصيب: لم يخطئ هدفه، وأصاب الرّجل في قوله، أو في رأيه: أتى بالصواب. ويأتي «أصاب»

<<  <  ج: ص:  >  >>