الشرح:{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ:} فليسوا في خسران، و {الصّالِحاتِ} امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فحكم الله بالخسران على جميع الناس إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة، وهي: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. فهذه الأمور اشتملت على ما يخص الإنسان نفسه، وهو الإيمان، والعمل الصالح، وما يخص غيره، وهو:
التواصي بالحقّ، والتواصي بالصبر.
قال أبي بن كعب-رضي الله عنه-: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَالْعَصْرِ..}. إلخ، ثم قلت: ما تفسيرها يا نبي الله؟! قال:{وَالْعَصْرِ} قسم من الله، أقسم ربكم بآخر النهار. {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ:} أبو جهل. {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا:} أبو بكر. {وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ:} عمر. {وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ:} عثمان. {وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ:} علي» -رضي الله عنهم أجمعين-. وهكذا خطب ابن عباس -رضي الله عنهما-على المنبر.
تنبيه: أخرج البيهقي في الشعب عن أبي حذيفة، عبيد الله بن حفص-وكانت له صحبة- قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا التقيا؛ لم يتفرقا؛ حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة (العصر)، ثم يسلم أحدهما على الآخر.
هذا؛ وانظر شرح الحق في الآية رقم [٣٩] من سورة (النبأ) وشرح (الصبر) في الآية رقم [١٠] من سورة (المزمل). هذا؛ والإيمان الصحيح هو: الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، والعمل بالأركان. ولما سئل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الإيمان قال:«الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره، وشرّه من الله تعالى». والإيمان يزيد، وينقص على المعتمد كما رأيت في الآية رقم [٢] من سورة (الأنفال) وله شعب كثيرة، وهي سبع وسبعون شعبة، أعلاها:(لا إله إلا الله) وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق. وهو بفتح الهمزة جمع:
يمين، وهو الحلف بالله، أو بصفة من صفاته، أو اسم من أسمائه. قال تعالى:{وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ}. واليمين أيضا اليد اليمنى، ويجمع أيضا على أيمان، كما في الآيات الكثيرة ولا يجمع إذا كان بالمعنى الأول.
هذا؛ وأصل آمن أأمن بهمزتين، قلبت الثانية مدا مجانسا لحركة الأولى، كما قلبت في إيمان، فإن أصله إإمان، وكما قلبت في أومن، فإن أصله أأأمن بثلاث همزات، فاستثقلوا اجتماع ثلاث همزات. فحذفوا الثانية طلبا للتخفيف، فبقي: أأمن بهمزتين: الأولى مضمومة،