تفوته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله، وماله». رواه الستة ومالك. وقيل: أراد بالعصر: زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أقسم بزمانه، كما أقسم بمكانه في قوله: {لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ} نبه بذلك على أن زمانه أفضل الأزمان، وأشرفها، كما أن مكانه أفضل الأمكنة، وأشرفها، وبالجملة: فقد أقسم الله تعالى بالزمان، لأنه رأس عمر الإنسان، فكل لحظة تمضي، فإنها من عمرك ونقص من أجلك، كما قال القائل:[البسيط]
إنا لنفرح بالأيّام نقطعها... وكلّ يوم مضى نقص من الأجل
هذا؛ وجمع العصر: أعصار، وعصور، وأعصر، وعصر.
{إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} أي: لفي خسران، ونقصان. قيل: أراد بالإنسان جنس الإنسان بدليل قولهم: كثر الدرهم؛ أي: الدراهم، وذلك؛ لأن الإنسان لا ينفك عن خسران؛ لأن الخسران هو تضييع عمره، وذلك؛ لأن كل ساعة تمر من عمر الإنسان؛ إما أن تكون تلك الساعة في طاعة، أو معصية، فإن كانت في معصية؛ فهو الخسران المبين الظاهر، وإن كانت في طاعة؛ فلعل غيرها أفضل، وهو قادر على الإتيان بها، فكان فعل غير الأفضل تضييعا، وخسرانا، فبان بذلك: أنه لا ينفك أحد من خسران. وخذ قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«ما من أحد يموت إلاّ ندم». قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟! قال:«إن كان محسنا؛ ندم ألاّ يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم ألا يكون نزع». أخرجه الترمذي، والبيهقي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-.
وقيل: إن سعادة الإنسان في طلب الآخرة، وحبها، والإعراض عن الدنيا، والزهد فيها. ثم إن الأسباب الداعية إلي حبّ الآخرة خفية والأسباب الدّاعية إلى حب الدنيا ظاهرة، فلهذا السبب كان أكثر الناس مشتغلين بحب الدنيا مستغرقين في طلبها، فكانوا في خسار، وبوار، قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم. وخذ قوله تعالى في سورة (الروم) رقم [٧]: {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} انظر شرحها هناك. وقيل: أراد الإنسان الكافر بدليل: أنه استثنى المؤمنين. أقول: بل المراد جنس الإنسان بمعنى كل إنسان، والاستثناء يكون أظهر.
وقيل: المراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا، وهرم لفي نقص، وتراجع إلا الذين آمنوا؛ فإنه تكتب أجورهم، ومحاسن أعمالهم؛ التي كانوا يعملونها في شبابهم، وصحتهم، فهي مثل قوله تعالى في سورة (التين): {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} انتهى. كله من الخازن بتصرف كبير. هذا؛ و {خُسْرٍ} يقرأ بضم السين، وسكونها. انظر سورة (الشرح) رقم [٥].
الإعراب:{وَالْعَصْرِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. وانظر الشرح لبيان المقسم به. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْإِنْسانَ:} اسم {إِنَّ}. {لَفِي:} اللام: هي