الشرح:{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ:} هي حفصة بنت عمر. {حَدِيثاً:} هو تحريم مارية-رضي الله عنها-وأن أبا بكر، وأباها يكونان خليفتين من بعده. فقد قيل: لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغيرة في وجه حفصة؛ أراد أن يرضيها، فأسرّ لها بشيئين: بتحريم مارية على نفسه، وأن الخلافة بعده في أبي بكر، وعمر-رضي الله عنهما-. وقال لها:«لا تخبري بذلك أحدا».
وقيل: قال لها: «لا تخبري عائشة بذلك».
{فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ} أي: أخبرت عائشة بما أسر إليها لمصافاة بينهما، وكانتا متظاهرتين على نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم. {وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ} أي: أطلعه الله على أنها قد نبأت به عائشة، وكان ذلك بواسطة جبريل الأمين، عليه ألف صلاة وألف سلام. {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} أي: عرّف الرسول صلّى الله عليه وسلّم حفصة: أنها أفشت بعض السر، وهو تحريم مارية-رضي الله عنها-. ولم يخبرها:
أنها أفشت البعض الآخر، وهو الخلافة، والولاية من بعده لأبي بكر وأبيها، فأعرض عن ذلك تكرما. قاله السدي. وقال الحسن البصري: ما استقصى كريم قط. أي: ما بالغ في العتاب.
وقال سفيان: ما زال التغافل من شيم الكرام. انتهى. وهذا؛ لأن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات، والتقصير في اللوم والعتاب. وقد كره الرسول أن ينتشر أمر الخلافة بين الناس.
{فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ} أي: فلما أخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم حفصة بأنها قد أفشت سره. {قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا} أي: قالت حفصة: يا رسول الله من أخبرك: أني أفشيت السر؟ قال أبو حيان: ظنت حفصة: أن عائشة هي التي كاشفت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت قد استكتمتها، فقالت:{مَنْ أَنْبَأَكَ} على سبيل التثبت، فأخبرها: أن الله جل وعلا هو الذي نبأه به، فسكتت، وسلمت، وهو صريح قوله:{نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ} بسرائر العباد، {الْخَبِيرُ} الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. وخبير بالتدابير الظاهرة، والباطنة، وخبير بحاجات العباد، وفاقتهم، وخبير بنياتهم، وأقوالهم، وأفعالهم.
هذا؛ وكان من نتيجة ما فعلت حفصة أن غضب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وطلقها، فلما بلغ عمر-رضي الله عنه-ذلك؛ قال لها: لو كان في آل الخطاب خير لما طلّقك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! فجاء جبريل، عليه السّلام، وأمره بمراجعتها. وقيل: لم يطلقها، وإنما همّ بطلاقها، فأتاه جبريل. وقال له:
لا تطلقها؛ فإنها صوّامة قوّامة، وإنها من نسائك في الجنة، واعتزل النبي صلّى الله عليه وسلّم نساءه شهرا، وقعد في مشربة مارية؛ حتى نزلت آية التحريم على ما تقدم.