للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال زياد بن يسار-وهو الشاهد رقم [١٠٢١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [٧] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الطويل]

تعلّم شفاء النفس قهر عدوّها... فبالغ بلطف في التّحيّل والمكر

هذا، ونسب المكر إلى الله في كثير من الآيات، مثل قوله تعالى في سورة (الرعد) رقم [٤٢]: {فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً} وهو بمعنى المجازاة، والعقاب، والانتقام.

الإعراب: (مكروا): ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {مَكْراً:}

مفعول مطلق. {كُبّاراً:} صفة له، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: {لَمْ يَزِدْهُ..}. إلخ فهي من جملة الصلة، لا محل لها.

{وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣)}

الشرح: {وَقالُوا} أي: قال الرؤساء، والكبراء من قوم نوح. وقيل: كفار قريش. ولا وجه له قطعا. {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} أي: لا تتركوا آلهتكم التي تعبدونها. {وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا..}. إلخ: هذا تخصيص بعد تعميم؛ لأنهم كانت لهم أصنام غير هذه الخمسة، وهذه أعظمها عندهم، وهذا على مثال قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٣٨]: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}، وقوله تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٧]: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}. وانظر التعميم بعد التخصيص في الآية الأخيرة، وكلاهما من باب الإطناب، وهو من المحسنات البديعية.

قال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-: هذه أسماء قوم صالحين، كانوا بين آدم ونوح، فلما ماتوا كان أتباعهم يقتدون بهم، ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة، فجاءهم إبليس -لعنه الله-، وقال لهم: لو صورتم صورهم كان ذلك أنشط لكم، وأشوق للعبادة، ففعلوا ذلك.

ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس-أخزاه الله-: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك، وسميت تلك الصور بهذه الأسماء؛ لأنهم صوروها على صور أولئك القوم الصالحين من المسلمين.

وبهذا المعنى فسر ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة: أن أم حبيبة، وأم سلمة-رضي الله عنهن-، ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة تسمى: مارية، فيها تصاوير فذكرتا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولئك كانوا إذا مات الرجل الصالح منهم بنوا على قبره مسجدا، ثم صوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرّ الخلق عند الله يوم القيامة». هذا؛ وقال السيوطي في كتابه مبهمات القرآن: وذكر تقي الدين بن مخلد: أن ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا كانوا أولاد آدم لصلبه. حكاه ابن عساكر. وقد أخرج ابن أبي حاتم مثله عن عروة. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>