للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفاعله مستتر فيه. {وَذلِكَ:} الواو: حرف استئناف. (ذلك): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محلّ له. {جَزاءُ:} خبر المبتدأ، وهو مضاف، و {الظّالِمِينَ:} مضاف إليه مجرور... إلخ من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها.

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠)}

الشرح: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ:} زينت، وسهّلت. من: طاع له المرتع: إذا اتّسع، وسهل.

وذلك: أنّ الإنسان إذا تصوّر: أنّ قتل النفس من أكبر الكبائر؛ صار ذلك صارفا له عن القتل، فإذا سهّلت عليه نفسه هذا الفعل؛ فعله بغير كلفة. وقرئ: «(فطاوعت له نفسه)». {قَتْلَ أَخِيهِ} أي: هابيل. {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: خسر دنياه، وآخرته، أمّا دنياه؛ فأسخط والديه، وبقي بلا أخ، وأمّا آخرته فأسخط ربّه، وصار إلى النّار. وانظر (الخسران) في الآية رقم [١١٩] من سورة (النّساء).

قال ابن جريج: لمّا قصد قابيل قتل هابيل، فلم يدر كيف يقتله؟ فتمثّل له إبليس، وقد أخذ طيرا، فوضع رأسه على حجر، ثمّ رضخه بحجر آخر، وقابيل ينظر، فعلّمه القتل، فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين؛ وهو نائم مستسلم صابر، وقيل: بل اغتاله؛ وهو نائم فقتله، وكان ابن عشرين سنة، واختلف في المكان اختلافا كثيرا، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧] واعتمده.

عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتل نفس ظلما إلاّ كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها؛ لأنّه أوّل من سنّ القتل». أخرجه السّتّة ما عدا أبا داود، ثمّ إنّه هرب إلى أرض عدن من اليمن، فأتاه إبليس، وقال له: إنّما أكلت النّار قربان أخيك؛ لأنّه كان يعبدها، فانصب أنت نارا تكون لك، ولعقبك، فبنى بيت نار، فهو أول من عبد النّار فيما قيل، والله أعلم.

وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنّه لمّا قتل قابيل هابيل، وآدم بمكّة؛ اشتاك الشّجر، وتغيّرت الأطعمة، وحمضت الفواكه، وملحت المياه، واغبرّت الأرض، فقال آدم- على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام-: قد حدث في الأرض حدث، فأتى الهند؛ فإذا قابيل قد قتل هابيل، وروي: أنّه لما تغيّرت الحال؛ قال: [الوافر]

تغيّرت البلاد ومن عليها... فوجه الأرض مغبرّ قبيح

تغيّر كلّ ذي طعم ولون... وقلّ بشاشا الوجه المليح

ويروى عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنّه قال: من قال: إنّ آدم قال شعرا؛ فقد كذب، وإن محمّدا صلّى الله عليه وسلّم والأنبياء كلّهم في النهي سواء. يروى: أنّ إبليس أخزاه الله جاء إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>