للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ و {تَبُوءَ:} ترجع، وتنقلب، ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: {فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ،} ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث سيد الاستغفار. «أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي» أي: أعترف بنعمتك عليّ، وأرجع بذنبي إليك؛ لتغفره لي. وأصله في اللغة: الرّجوع، ومثله:

«آب» بتقديم الهمزة على الباء، قال عمرو بن كلثوم التغلبي في معلّقته [٦٥]: [الوافر]

فآبوا بالنّهاب وبالسّبايا... وأبنا بالملوك مصفّدينا

{بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ:} انظر الآية رقم [٢]. أمّا {أَصْحابِ} فإنّه جمع: صاحب، ويكون بمعنى المالك كما هنا، ويكون بمعنى الصّديق، ويجمع على: صحب، وصحاب، وصحابة، وصحبة، وصحبان، ثمّ يجمع أصحاب على: أصاحيب، ثم يخفّف، فيقال: أصاحب. {النّارِ:} أصلها النّور، يقال: تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، وهي من المؤنّث المجازي، وقد تذكّر، وتصغيرها نويرة، والجمع: أنور، ونيران، ونيرة. هذا؛ وقد جعل الله الكفار {أَصْحابِ النّارِ} بمعنى: مالكيها، لملازمتهم، وعدم انفكاكهم عنها، وقل مثله في: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ}.

هذا؛ ويكنّى بها عن جهنّم؛ التي سيعذب الله بها الكافرين، والفاسقين المفسدين يوم الدّين، كما أنّها تستعار للشدّة، والضّيق، والبلاء، قال الشاعر: [الطويل]

وألقى على قيس من النّار جذوة... شديدا عليها حرّها والتهابها

{وَذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ:} هذا من مقول الله تعالى، فيكون فيه وعيد، وتهديد لكلّ معتد، وظالم، وإن كان من مقول هابيل؛ ففيه وعظ مشوب بالتّهديد، والوعيد. وإنّما قال له هذا بعد أن وعظه، واستعطفه، وذكّره الله تعالى، فلم يرجع، ولم ينته، فلمّا رآه هابيل قد صمّم على القتل؛ قال له: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ..}. إلخ. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمه. {أُرِيدُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: أنا. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {تَبُوءَ:} فعل مضارع منصوب ب‍: {أَنْ} والفاعل مستتر تقديره: أنت، والمصدر المؤوّل من الفعل، وناصبه في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية: {أُرِيدُ..}. إلخ في محل رفع خبر: (إنّ)، والجملة الاسمية تعليل آخر للنفي في الآية السابقة، وهي من مقول هابيل أيضا. {بِإِثْمِي:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة. {وَإِثْمِكَ:} معطوف على ما قبله، والكاف في محل جر بالإضافة. {فَتَكُونَ:} الفاء: حرف عطف. (تكون): معطوف على: {تَبُوءَ} منصوب مثله وهو مضارع ناقص، واسمه مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. {مِنْ أَصْحابِ:} متعلّقان بمحذوف خبر:

(تكون)، و {أَصْحابِ:} مضاف، و {النّارِ:} مضاف إليه من إضافة جمع اسم الفاعل لمفعوله،

<<  <  ج: ص:  >  >>