{وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧)}
الشرح: {وَيُسْقَوْنَ} أي: الأبرار. {فِيها:} في الجنة. {كَأْساً} أي: مملوءة خمرا من خمر الآخرة، المنزهة عن اللغو، والرفث. {كانَ مِزاجُها:} شوبها، وخلطها. {زَنْجَبِيلاً} والمعنى:
يسقى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسا من الخمر ممزوجة بالزنجبيل، والعرب تستلذ من الشراب ما مزج بالزنجبيل لطيب رائحته، فتارة يمزج للأبرار الشراب بالكافور، وهو بارد، وتارة بالزنجبيل، وهو حار ليعتدل الأمر، وأما المقربون؛ فإنهم يشربون من كل منهما صرفا، كما قاله قتادة، وغير واحد. وكانت العرب تستلذ من الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته؛ لأنه يحذو اللسان، ويهضم المأكول، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة، والطيب. وقال المسيب بن علس يصف ثغر المرأة: [الكامل]
وكأنّ طعم الزّنجبيل به... إذ ذقته وسلافة الخمر
وقال الأعشى: [المتقارب]
كأنّ القرنفل والزنجبي... ل باتا بفيها وأريا مشورا
وقال بعض بني تميم-وهو الشاهد رقم [٦٨٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الرجز]
وا بأبي أنت وفوك الأشنب... كأنّما ذرّ عليه الزّرنب
أو زنجبيل وهو عندي أطيب
هذا؛ والأري: العسل. و «مشور» مستخرج من بيوت النحل. والشنب: رقة الأسنان.
وقيل: عذوبة الفم، والزرنب: نبت طيب من نبات البادية.
الإعراب: {وَيُسْقَوْنَ:} الواو: حرف عطف. (يسقون): فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {كَأْساً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: (يطاف...) إلخ على الوجهين المعتبرين فيها. {كانَ:} فعل ماض ناقص. {مِزاجُها:} اسمها، و (ها) في محل جر بالإضافة. {زَنْجَبِيلاً:} خبر {كانَ،} والجملة الفعلية في محل نصب صفة {كَأْساً}.
{عَيْناً فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً (١٨)}
الشرح: {تُسَمّى سَلْسَبِيلاً:} السلسبيل: الشراب اللذيذ، وهو فعلليل من السّلاسة، تقول العرب:
هذا شراب سلس، وسلسال، وسلسل وسلسبيل بمعنى. أي: طيب الطعم لذيذه، وفي الصحاح:
وتسلسل الماء في الحلق: جرى، وسلسلته أنا: صببته فيه. وماء سلسل، وسلسال: سهل الدخول