الشرح:{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً}: يعني كلهم على دين واحد، وشريعة واحدة. {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ} أي: على أديان متعددة ما بين يهودي، ونصراني، ومجوسي، ومشرك، ومسلم، فكل أهل دين من هذه الأديان قد اختلفوا في دينهم أيضا اختلافا كثيرا لا ينضبط، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة، وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة، وهي الجماعة». أخرجه أبو داود، وزاد في رواية أخرى:
«وإنّه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق، ولا مفصل، إلاّ دخله».
قال بعض العلماء: المراد بهذه الفرق: أهل البدع، والأهواء الذين تفرقوا، واختلفوا، وظهروا بعده كالخوارج، والقدرية، والمعتزلة، والرافضة، وغيرهم، من أهل البدع والأهواء، والمراد بالواحدة هي فرقة السنة والجماعة الذين اتبعوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله، وقيل:
مختلفين في الرزق، فهذا غني، وهذا فقير. ولا وجه له هنا.
وفي الآية دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد، وأن ما أراده يجب وقوعه، وإذا علمت أن الإرادة نزوع النفس، وميلها إلى الفعل بحيث يحملها عليه، ويقال للقوة التي مبدأ النزوع، والأول مع الفعل، والثاني قبله، وكلا المعنيين غير متصور اتصاف الباري تعالى به، ولذا اختلف في معنى إرادته، فقيل: إرادته لأفعاله أنه غير ساه، ولا مكره، ولأفعال غيره أمره بها، فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته، وقيل: علمه باشتمال الأمر على النظام الأكمل، والوجه الأصلح، وهذا الأخير هو المقبول؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَلَوْ}: الواو: حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {شاءَ}:
ماض. {رَبُّكَ}: فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله ضمير مستتر فيه، والمفعول محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَجَعَلَ}: اللام: واقعة في جواب (لو). (جعل): ماض، وفاعله يعود إلى {رَبُّكَ}. {النّاسَ}: مفعول به أول. {أُمَّةً}: مفعول به ثان. {واحِدَةً}: صفة: {أُمَّةً،} وجملة:
{لَجَعَلَ..}. إلخ جواب (لو)، لا محل لها، و {وَلَوْ} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {وَلا}:
الواو: واو الحال. (لا): نافية. {يَزالُونَ}: مضارع ناقص مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو اسمه. {مُخْتَلِفِينَ}: خبره منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن