للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧)}

الشرح: {وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ:} الضر في الأصل: كل ما ينوب الإنسان في هذه الدنيا من فقر، ومرض، وفقد نفس، وخوف... إلخ، والمراد: به هنا: خوف الغرق في البحر، والإمساك عن الجري، واضطراب البحر، وتموجه. {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ:} ذهب عن بالكم، وخواطركم كل من تدعون في حوادثكم من الأصنام وغيرها. {إِلاّ إِيّاهُ} أي: إلا الله وحده، فإنكم لا تذكرون سواه في الشدائد، والملمات؛ لأنه القادر على نجاتكم، وإعانتكم، وغيره لا يقدر.

{فَلَمّا نَجّاكُمْ} أي: أجاب دعاءكم، وأنقذكم من هول البحر، وشدته. {أَعْرَضْتُمْ} أي: عن الإيمان، والإخلاص، والطاعة، وكفرتم النعمة. {وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً:} المراد به هنا: الكافر.

وقيل: المعنى: وطبع الإنسان جحودا للنعم إلا من عصمه الله، ووفقه للشكر، فالمراد جنس الإنسان.

هذا؛ ولقد تكرر معنى الآية في كثير من السور، فينبغي التنبه له. وانظر شرح {الْإِنْسانُ} في الآية رقم [١١]، وانظر: {ضَلَّ} في الآية رقم [٨٧] من سورة (النحل)، وشرح {الْكافِرِينَ} في الآية رقم [١٠٧] منها. وانظر شرح (البحر) في الآية رقم [٧٠] الآتية، ولقد استعمل (من) وهي للعاقل لغير العاقل، وهي الأصنام؛ لأن الكفار يعاملونها معاملة العاقل: من سؤالهم لها حوائجهم، وتذللهم لها، وتقديسها، وتعظيمها. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٩] من سورة (النحل) تجد ما يسرك ويثلج صدرك.

الإعراب: {وَإِذا:} الواو: حرف استئناف. (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه صالح لغير ذلك مبني على السكون في محل نصب. {مَسَّكُمُ:} ماض، والكاف مفعول به. {الضُّرُّ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على المشهور المرجوح. {فِي الْبَحْرِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الضر. وقيل من البحر. {ضَلَّ:} ماض. {مَنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة بعدها صلتها، والعائد محذوف؛ إذ التقدير: ضل الذي تدعونه من دون الله، والجملة الفعلية: جواب (إذا) لا محل لها. إلا: أداة استثناء. {إِيّاهُ:} ضمير منفصل مبني على الضم في محل نصب على الاستثناء المتصل، أو المنقطع، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {فَلَمّا:} الفاء: حرف عطف. (لمّا): حرف وجود لوجود عند سيبويه، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وهي ظرف بمعنى: حين عند ابن السراج، والفارسي، وابن جني، وجماعة، تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه، وصوب ابن هشام

<<  <  ج: ص:  >  >>