الشرح:{رِزْقاً لِلْعِبادِ} أي: رزقناهم رزقا، أو على معنى: أنبتناها رزقا؛ لأن الإنبات في معنى الرزق، والرزق: ما كان مهيأ للانتفاع به. {وَأَحْيَيْنا بِهِ:} بالمطر. {بَلْدَةً مَيْتاً:} لا نبات فيها، ولا حياة، فإذا نزل عليها المطر اهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، وذكّر:
{مَيْتاً} باعتبار البلدة بلدا، أو مكانا. {كَذلِكَ الْخُرُوجُ} أي: من القبور، والمعنى: كما أحيا الله الأرض الميتة بالماء، فأخرج منها النبات بعد ما انهضم، وتفتت في الأرض، وصار ترابا كما كان من بين أصفره، وأبيضه، وأحمره، وأزرقه إلى غير ذلك، كذلك يعيدكم من الأرض بعد ما تفتتت عظامكم، وتمزّقت لحومكم، وتفرّقت شعوركم.
وهذا من خصائص أسلوب القرآن العظيم: أنه يخاطب العقل، والقلب معا، ويجمع بين الحق، والجمال معا، وأنه يسوق الاستدلال سوقا يهزّ القلوب هزا، ويمتع العاطفة إمتاعا بما جاء في طيّ هذه الايات من إقامة الدليل العقلي على البعث، والنشور في مواجهة المنكرين المكذبين. تأمل هذا الأسلوب البارع الذي أقنع العقل، وأمتع العاطفة في آن واحد، حتى في الجملة التي هي بمثابة النتيجة من مقدمات الدليل، حيث قال في آخر الايات:{كَذلِكَ الْخُرُوجُ} أي: الخروج من القبور للبعث، والحساب، والجزاء، والثواب، والعقاب.
الإعراب:{رِزْقاً:} مفعول لأجله؛ أي: أنبتنا ما تقدم لرزقهم، أو هو مفعول مطلق عامله:
(أنبتنا) لأنه بمعنى رزقناهم رزقا. أو هو حال، بمعنى: مرزوقا للعباد، أو ذا رزق. {لِلْعِبادِ:}
متعلقان ب:{رِزْقاً،} أو بمحذوف صفة له. {وَأَحْيَيْنا:} الواو: حرف عطف. (أحيينا): فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها من جمل. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {بَلْدَةً:} مفعول به. {مَيْتاً:} صفة: {بَلْدَةً}. {كَذلِكَ:} الكاف: حرف تشبيه، وجر، و (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محلّ له. {الْخُرُوجُ:} مبتدأ مؤخر.
هذا؛ وأجيز اعتبار الكاف اسما مبتدأ و {الْخُرُوجُ} خبره، وعليه تكون الكاف مضافة، واسم الإشارة مضافا إليه، وعلى الوجهين؛ فالجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها.