{وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ (٧)}
الشرح: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ} أي: الموت. {أَبَداً:} الأبد: هو الزمان الطويل؛ الذي ليس له حد، فإذا قلت: لا أكلمك أبدا؛ فالأبد من وقت التكلم إلى آخر العمر. {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بما فعلوا من الكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وتحريف التوراة، وغير ذلك، وانظر شرح (اليد) في الاية رقم [٤٧] من سورة (الذاريات). {عَلِيمٌ:} صيغة مبالغة. (الظالمين): الكافرين؛ حيث ظلموا أنفسهم بالكفر. وقال: {بِالظّالِمِينَ،} ولم يقل: بهم، إقامة للظاهر مقام المضمر، إشارة إلى أنهم غارقون بالظلم والفساد والطغيان، وفيه تهديد لهم ووعيد لا يخفيان. هذا؛ وبين قوله:
{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ،} و {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} طباق السلب.
هذا؛ وقال القرطبي: فلو تمنوه؛ لماتوا، فكان في ذلك بطلان قولهم، وما ادعوه من الولاية، وفي حديث: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لما نزلت هذه الاية: «والذي نفس محمد بيده لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات». وفي هذا إخبار عن الغيب، ومعجزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
هذا؛ وقال الزمخشري: لا فارق بين (لا) و (لن) في أن كل واحدة منهما نفي للمستقبل، إلا أن في (لن) تأكيدا، وتشديدا ليس في (لا) فأتى مرة بلفظ التأكيد في: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} أي: في سورة (البقرة) رقم [٩٥]، ومرة بغير لفظه في: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ} أي في هذه الاية. قال الشيخ: هذا رجوع منه عن مذهبه-وهو: أن (لن) تقتضي النفي على التأبيد-إلى مذهب الجماعة، وهو أنها لا تقتضيه، قلت: ليس فيه رجوع، غاية ما فيه: أنه سكت عنه، وتشريكه بين (لا، ولن) في نفي المستقبل، لا ينفي اختصاص «لن» بمعنى آخر. انتهى. جمل نقلا عن السمين.
الإعراب: {وَلا:} (الواو): حرف استئناف. (لا): نافية. {يَتَمَنَّوْنَهُ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، واعتبارها حالا فيه ضعف ظاهر. {أَبَداً:} ظرف زمان متعلق بما قبله. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. وقيل: متعلقان بما في معنى النفي؛ لأنها سبب لنفي التمني.
والأول أولى، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، وأقواها أولها. {قَدَّمَتْ:}
فعل ماض، والتاء للتأنيث. {أَيْدِيهِمْ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء قدمته أيديهم، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، والمفعول محذوف، التقدير: بتقديم أيديهم الكفر، والمعاصي
إلخ. {وَاللهُ:} الواو: واو الحال، أو الاستئناف. (الله): مبتدأ. {عَلِيمٌ:} خبره.
{بِالظّالِمِينَ:} متعلقان ب: {عَلِيمٌ،} والجملة الاسمية في محل نصب حال من الضمير المجرور محلا بالإضافة، والرابط: الواو فقط، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.