للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو صفة ظرف محذوف؛ أي: إلا زمانا قليلا، وجملة: {إِنْ لَبِثْتُمْ..}. إلخ في محل نصب مفعول به للفعل (تظنون) المعلق عن العمل لفظا، وجملة: {وَتَظُنُّونَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر أيضا. هذا؛ وجوز أبو البقاء اعتبارها حالا من واو الجماعة، وقدر الكلام: «وأنتم تظنون...» إلخ؛ لأن المضارع المثبت لا يقترن بالواو إذا وقع حالا.

{وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣)}

الشرح: {وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ:} وذلك: أن المشركين كانوا يؤذون المسلمين، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله هذه الآية، يأمر بها المسلمين أن يقولوا للكافرين التي هي أحسن؛ أي: لا يكافئوهم على سفههم، بل يقولون لهم: يهديكم الله، وكان هذا قبل الإذن بالقتال والجهاد. وقيل: نزلت في عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-وذلك: أنه شتمه بعض الكفار، فأمره الله بالعفو. وقيل: أمر الله تعالى في هذه الآية المؤمنين فيما بينهم خاصة بحسن الأدب، وإلانة القول، وخفض الجناح، واطّراح نزغات الشيطان. انتهى. خازن، وقرطبي بتصرف.

{إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} أي: بالفساد، وإلقاء العداوة، والإغواء. هذا؛ والنزغ، والنخس، والنسغ، والنفر، والهمز، والوسوسة ألفاظ مترادفة، وأصل النزغ: الفساد، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السّلام: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} أي: أفسد. فقد شبه سبحانه وتعالى وسوسة الشيطان، وإغواءه للناس بنخس السائق دابته بشيء؛ لتسير. هذا؛ وانظر شرح {الشَّيْطانَ} في الاستعاذة أول سورة (يوسف) عليه السّلام، {إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً} أي: عدوا ظاهر العداوة.

بعد هذا انظر شرح (عبده) في الآية رقم [١] و (القول) في الآية رقم [١٦] وشرح (الإنسان) في الآية رقم [١١] وانظر إعلال (مبين) ومعناه في الآية رقم [١] من سورة (الحجر). أما (عدو) فهو ضد الصديق؛ وهو على فعول بمعنى: فاعل، مثل: صبور، وشكور، وما كان على هذا الوزن يستوي فيه المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، إلا لفظا واحدا جاء نادرا.

قالوا: هذه عدوة الله. قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} وقال: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ} والجمع: أعداء، وأعاد، وعدات، وعدى. وقيل: أعاد، جمع أعداء، فيكون جمع الجمع، وفي القاموس المحيط: والعدا بالضم والكسر اسم الجمع. وانظر شرح (بين) في الآية [٤٥] هذا؛ وفي الآية الكريمة استعارة تبعية حيث شبه الإغراء على الفساد بالنزغ، واستعير النزغ للإغراء، ثم اشتق منه: {يَنْزَغُ}. والله أعلم، وأجل، وأكرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>