الشرح:{بَلى:} فيه إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، وانظر شرح {بَلى} في الآية رقم [٨١]. {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ:} انقاد لأوامره بكليته. وخصّ الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة، وفيه أكثر الحواس، ولأنه موضع السّجود، ومظهر آثار الخشوع، والخضوع، وفيه مظهر العزّ، والذّل، والسّرور، والغمّ، والهمّ، وغير ذلك، والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشّيء، قال الله لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} رقم [٢٠] من سورة (آل عمران)، وإذا جاء العبد بوضع وجهه على الأرض في السّجود. فقد جاء بجميع أعضائه، قال زيد بن عمرو بن نفيل-وهو من المتحنّفين في الجاهلية-: [المتقارب]
وأسلمت وجهي لمن أسلمت... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت... له المزن تحمل عذبا زلالا
يعني بذلك: استسلمت لطاعة من استسلمت لطاعته الأرض، والمزن. {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي:
في عمله، وله شرطان: أحدهما: أن يكون خالصا لله تعالى، والثاني: أن يكون صوابا موافقا للشّريعة؛ التي جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم، فمتى اختلّ شرط منهما؛ كان العمل غير مقبول قطعا. {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ:} ثوابه مدّخر عند ربه يوفيه إياه يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: فلا خوف عليهم فيما بين أيديهم من أهوال يوم القيامة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدّنيا، وليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة، وخوفها على المطيعين، إلا أنّه يخفّف عنهم، وإذا صاروا إلى رحمته؛ فكأنهم لم يخافوا. هذا؛ والحزن: ضدّ السرور، ولا يكون إلا على ماض، وحزن الرّجل، وأحزنه غيره، وحزّنه أيضا، مثل: سلكه، وأسلكه، قال اليزيدي: حزّنه لغة قريش، وأحزنه لغة تميم، وقد قرئ بهما إلا في سورة (الأنبياء) فإنّه في الأولى فقط قوله تعالى: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} وهي أفصح اللّغتين.
الإعراب:{بَلى:} حرف جواب، تبتدأ بعده الجمل. {مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَسْلَمَ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى {مَنْ} تقديره: هو. {وَجْهَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة.
{لِلّهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {وَهُوَ مُحْسِنٌ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب حال من فاعل:{أَسْلَمَ} المستتر، وهذه الحال مؤكدة؛ لأنّ من أسلم وجهه؛ فهو