للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظاهر، والأصح: أن مضمون الجار والمجرور {مِنْهُمُ} مبتدأ، و {الصّالِحُونَ} هو الخبر؛ لأن (من) الجارة دالة على التبعيض، أي: بعضهم الصالحون، وجمع الضمير يؤيد ذلك، ويؤيده عطف: (كثير) عليه في الآية رقم [٦٩] (المائدة) وعطف: (أكثرهم) عليه في الآية رقم [٣/ ١١٠].

وخذ قول الحماسي: [الكامل]

منهم ليوث لا ترام وبعضهم... ممّا قمشت وضمّ حبل الحاطب

حيث قابل لفظ: {مِنْهُمُ} بما هو مبتدأ، أعني: لفظة: (بعضهم) وهذا مما يدل على أن مضمون {مِنْهُمُ} مبتدأ. {مِنْهُمُ:} قل فيه ما قلته في سابقه، والمبتدأ أو الخبر محذوف، تقديره: ناس. {دُونَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صفة: (ناس) المحذوف، على حد قوله تعالى: {وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} أي: ما منا أحد إلا له مقام معلوم. والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، وقول أبي البقاء: {دُونَ ذلِكَ} ظرف، أو خبر على ما ذكرنا في الآية رقم [/٩٤ ٦] لا وجه له قطعا. و {دُونَ:} مضاف، و (ذلك) اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. (بلوناهم): فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {بِالْحَسَناتِ:} متعلقان بما قبلهما. (السيئات): معطوف على سابقه. {لَعَلَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل في محل نصب اسمها. {يَرْجِعُونَ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر: (لعلّ)، والجملة الاسمية تعليل للابتلاء، لا محل لها.

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩)}

الشرح: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أي: جاء من بعد هؤلاء الذين وصفناهم، وقسمناهم إلى القسمين خلف، وهو القرن، أو الجيل الذي بعد ما قبله، والخلف بسكون اللام يستعمل في الشر كما في آية مريم رقم [٥٩] وبفتحها في الخير، وقال البيضاوي: {خَلْفٌ} مصدر نعت به، ولذلك يقع على الواحد، والجمع. هذا؛ وخذ قول لبيد، رضي الله عنه: [الكامل]

ذهب الّذين يعاش في أكنافهم... وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وقال صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله». وقد يتعاوضان، فيستعمل كل منهما موضع الآخر، قال حسان بن ثابت-رضي الله عنه-مستعملا ساكن اللام في الخير: [الطويل]

لنا القدم الأولى إليك وخلفنا... لأوّلنا في طاعة الله تابع

<<  <  ج: ص:  >  >>