غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، التقدير: إن كنتم تعقلون؛ فقد بينا لكم الآيات. وقدره الجلال: فلا توالوهم. و {إِنْ} ومدخولها كلام معترض مستأنف، لا محلّ له.
{ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١١٩)}
الشرح: {ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ:} الخطاب للمؤمنين الصادقين. و {تُحِبُّونَهُمْ} للمنافقين، والمعنى: أنتم أيها المؤمنون تحبّون المنافقين؛ واليهود؛ الذين نهيتكم عن مباطنتهم، وموالاتهم للأسباب التي بينكم، وبينهم من القرابة، والرّضاع، والمصاهرة، والحلف. {وَلا يُحِبُّونَكُمْ} أي:
لا يصافونكم المحبّة؛ وإن تظاهروا بألسنتهم بأنّهم يحبّونكم، ويودّونكم. {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ} أي: تؤمنون يا مسلمون بجميع الكتب السماوية؛ التي أنزلها الله على رسله، واليهود يؤمنون بالبعض، والمنافقون لا يؤمنون بشيء.
{وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا} أي: بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وبالقرآن الذي أنزل عليه، ومثله في سورة (البقرة) رقم [١٤]. {وَإِذا خَلَوْا} أي: خلا بعضهم إلى بعض. {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} أي: عضّوا أطراف الأصابع من الغيظ، والحنق عليكم، فيقول بعضهم لبعض: ألا ترون إلى هؤلاء ظهروا، وكثروا؟! والعض: عبارة عن شدّة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذه، ويوصف المغتاظ، والنّادم بعضّ الأنامل، والبنان، والإبهام ومنه قول أبي طالب: [الطويل]
يعضّون غيظا خلفنا بالأنامل
وقال الحارث بن ظالم المرّيّ: [الطويل]
فأقتل أقواما لئاما أذلّة... يعضّون من غيظ رءوس الأباهم
وكان أبو الجوزاء إذا تلا هذه الآية، قال: هم الإباضية. قال ابن عطيّة-رحمه الله تعالى-:
وهذه الصفة قد تترتّب في كثير من أهل البدع، وهو الصحيح، فتشمل الفرق الضالّة الاثنتين والسبعين، الذين ذكرتهم في الآية رقم [١٠٣]. والعضّ يعبّر به عن الشدّة، والألم. قال الفرزدق في مدح عبد الملك: [الطويل]
وعضّ زمان يا بن مروان لم يدع... من المال إلاّ مسحتا أو مجلّف
«مجلّف» معطوفة على معنى: لم يبق من المال إلا مسحة، أو مجلّف. والعضّ يعبّر به عن شدة التمسّك بالشيء، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الذي يرويه عنه العرباض بن سارية-رضي الله عنه-: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ». هذا؛