للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعن ابن أبي مليكة: أن عائشة-رضي الله عنها-كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه؛ حتى تعرفه، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حوسب عذّب». قالت، فقلت: يا رسول الله أوليس يقول الله عزّ وجلّ: {فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً} قالت: فقال: «فإنّما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب عذّب». متفق عليه. فجملة القول: إن العرض مخاطبة السرار: فعلت يا عبدي كذا، وكذا، وكذا؛ تعرف ذلك؟ فيقول: نعم يا رب! فيقول الله له: قد غفرتها لك! وهذا لمن -رضي الله عنه-، ورجحت حسناته على سيئاته.

الإعراب: {فَأَمّا:} الفاء: حرف تفريع، واستئناف. (أما): أداة شرط، وتفصيل، وتوكيد، أما كونها أداة شرط؛ فلأنها قائمة مقام أداة الشرط، وفعله بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل:

مهما يك من شيء؛ فمن أوتي كتابه بيمينه... إلخ، فأنيبت (أمّا) مناب «مهما ويك من شيء»، فصار: أما من... إلخ، وأما كونها أداة تفصيل؛ فلأنها في الغالب تكون مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله، ويعلم ذلك من تتبع مواقعها. وأما كونها أداة توكيد؛ فلأنها تحقق الجواب، وتفيد: أنه واقع لا محالة؛ لكونها علقته على أمر متيقن.

{مَنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، {أُوتِيَ:} فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل تقديره: «هو» يعود إلى {مَنْ،} وهو العائد، وهو المفعول الأول.

{كِتابَهُ:} مفعول به ثان، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {بِيَمِينِهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة.

{فَسَوْفَ:} الفاء: واقعة في جواب (أمّا). (سوف): حرف استقبال، وهو يفيد التوكيد هنا، كما رأيت في الشرح. {يُحاسَبُ:} فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل تقديره: «هو» يعود إلى (من) أيضا. {حِساباً:} مفعول مطلق. {يَسِيراً:} صفة له، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو (من)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَيَنْقَلِبُ:} الواو: حرف عطف. (ينقلب): فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (من). {إِلى أَهْلِهِ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {مَسْرُوراً:} حال من الفاعل المستتر. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. فهي في محل رفع مثلها.

{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢)}

الشرح: فهذا مقابلة لما في الآية الأولى. قيل: نزلت هذه الآية في الأسود بن عبد الأسد أخي أبي سلمة. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-ثم هي عامة في كل مؤمن، وكافر. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يمد يده اليمنى؛ ليأخذ كتابه، فيجذبه ملك، فيخلع يمينه، فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره، وهذا لا ينافي ما ذكر في سورة (الحاقة): {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>