للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالفعل، والهاء اسمه. {فِي الْآخِرَةِ:} متعلقان باسم فاعل محذوف: التقدير: وإنّه صالح في الآخرة. وقيل: متعلقان بمصدر محذوف، تقديره: صلاحه في الآخرة. وهذا لأن (ال) بمعنى الموصول، والجار والمجرور صلة، ولا تتقدم الصّلة على الموصول. وقول ثالث: إنّ {الصّالِحِينَ} ليس بمعنى: الذين صلحوا، ولكنّه اسم قائم بنفسه، كما يقال: الرجل، والغلام، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الضمير الواقع مفعولا به، والرابط: الواو، والضمير.

{إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١)}

الشرح: {إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} أي: اثبت على الإسلام، واستقم على نهجه، وطريقته، لأنه كان مسلما، ولأن الأنبياء جميعا نشئوا على الإسلام والتوحيد. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-:

قال له ذلك حين خرج من السّرب، وذلك عند استدلاله بالكواكب، والشّمس، والقمر، واطلاعه على أمارات الحدوث فيها، وافتقارها إلى محدث مدبّر، كما ذكر الله في سورة (الأنعام) رقم [٧٥] وما بعدها، فلما عرف ذلك؛ قال له ربه: أسلم، {قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} أي: قال إبراهيم، -على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام-: خضعت بالطّاعة، وأخلصت العبادة لمالك الخلائق ومدبّرها، ومحدثها. هذا؛ والمراد بالإسلام: التوحيد، وليس المراد الإسلام المتعارف عليه في شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك ما يذكر عن إسلام كثير من الأنبياء السّابقين، فإن المراد: التّوحيد، والاستسلام، والانقياد. هذا؛ والسّرب الذي ذكره ابن عباس-رضي الله عنهما-: يشير إلى أنّ إبراهيم عليه السّلام قد ربّي خفية عن النّمرود الجبّار؛ الذي ادعى الألوهية، وأن تربية إبراهيم كانت في السّرب بعيدة عن الناس خوفا من النّمرود، فهي شبيهة بتربية موسى عليه السّلام.

هذا؛ وفي الآية الكريمة التفات من التكلّم في الآية السابقة إلى الغيبة في هذه الآية؛ إذ كان مقتضى الكلام: «إذ قلنا...» إلخ، وللالتفات فوائد كثيرة: منها تطرية الكلام، وصيانة السّمع عن الضّجر، والملال؛ لما جبلت عليه النفوس من حبّ التنقّلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد. هذه فوائده العامة، ويختصّ كل موضع بنكت، ولطائف باختلاف محلّه، كما هو مقرّر في علم البديع، ووجهه حثّ السامع، وبعثه على الاستماع؛ حيث أقبل المتكلّم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصّصه بالمواجهة.

الإعراب: {إِذْ:} ظرف لما مضى من الزّمان مبنيّ على السكون في محل نصب متعلق بفعل محذوف، تقديره: اذكر، أو هو مفعول به لهذا المحذوف، وقيل: هو ظرف للفعل {اِصْطَفَيْناهُ} وقيل: هو بدل من الجار والمجرور: «فى الدنيا». وهذا ضعيف جدّا.

{قالَ:} فعل ماض. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {رَبُّهُ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {أَسْلِمْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت، والجملة الفعلية

<<  <  ج: ص:  >  >>