الشرح: الشهادة من جملة الأمانات، وخصها بالذكر من بينها إبانة لفضلها؛ لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها، وفي إهمالها تضييع الحقوق، وإبطالها، وقرئ: «(بشهادتهم)» و (بشهاداتهم) بالجمع لاختلاف أنواعها، كما في جمع: الأمانة. انتهى. كشاف. هذا؛ وكتمان الشهادة، أي: الامتناع عن أدائها كشهادة الزور، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٨٢]: {وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}. وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من كتم شهادة إذا دعي إليها كان كمن شهد بالزّور». رواه الطبراني في الكبير، والأوسط.
هذا؛ ويؤخذ مما تقدم: أن شهادة الزور وكتمان شهادة الحق سواء في الإثم، وقد قرن الله تعالى شهادة الزور بعبادة الأوثان في الآية رقم [٣٠] من سورة (الحج) فقال جل ذكره:
{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} وأيده النبي صلّى الله عليه وسلّم، فعن أيمان بن خريم -رضي الله عنه-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا، فقال:«أيّها النّاس عدلت شهادة الزّور الإشراك بالله، ثم قرأ:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ..}. إلخ». أخرجه الترمذي، وأخرجه أبو داود عن خزيمة بن فاتك بنحوه. وعن أبي بكرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟!». (ثلاثا) قلنا: بلى يا رسول الله! قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، (وكان متكئا فجلس فقال): «ألا وقول الزور، وشهادة الزور». فما زال يكررها؛ حتى قلنا: ليته سكت! أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي. وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الطير لتضرب بمناقيرها، وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة، وما يتكلّم به شاهد الزور، ولا تفارق قدماه على الأرض، حتى يقذف به في النار». رواه الطبراني.
الإعراب:{وَالَّذِينَ:} الواو: حرف عطف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح معطوف على ما قبله. {هُمْ:} مبتدأ. {بِشَهاداتِهِمْ:} متعلقان بما بعدهما، والهاء في محل جر بالإضافة.
{قائِمُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية:{هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ} صلة الموصول، لا محل لها، تأمل، وتدبر.
وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها أولا وآخرا باعتبارين: للدلالة على فضلها، وإنافتها على غيرها. وفي نظم هذه الصلاة مبالغات لا تخفى. وهي تقديم الضمير، وبناء الجملة عليه،