للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السّمن». رواه البخاري، ومسلم، وقال أيضا صلّى الله عليه وسلّم:

«إذا ضيّعت أمتي الأمانة؛ فانتظر السّاعة».

وقال صلّى الله عليه وسلّم: «تحلّ عرا الإسلام عروة عروة، فأول عروة يحلّونها الحكم بكتاب الله وآخر عروة يحلّونها الصلاة». وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: القتل في سبيل الله يكفّر الذنوب كلّها إلا الأمانة. قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل الله، فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: أي ربّ كيف؛ وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، وتمثّل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها، فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظنّ: أنّه خارج زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين. ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، وأشياء عدّدها، وأشدّ ذلك الودائع». قال زاذان: فأتيت البراء بن عازب، فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا، قال: صدق، أما سمعت الله يقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها}. رواه أحمد، والبيهقي موقوفا على ابن مسعود-رضي الله عنه-.

هذا؛ وأما العهد؛ فإنه يشمل جميع الوعود، التي يقطعها العبد على نفسه لغيره من الناس، ويشمل جميع العقود التي يعقدها العبد مع غيره، مثل عقد النكاح، ونحوه، وأيضا الصنائع، والأسرار، وغير ذلك. ولقد أحسن القرطبي-رحمه الله تعالى-إذ قال: والأمانة، والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه، ودنياه قولا، وفعلا.

ومعنى {راعُونَ} قائمون بحفظها، ورعايتها، وأصله: راعيون، فحذفت الضمة التي على الياء لاستثقالها، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع الواو التي هي علامة الجمع، وهذا في الجمع، كما تحذف من المفرد لالتقائها مع التنوين. هذا؛ ويقرأ: «(لأمانتهم)» بالإفراد، وقراءة حفص بالجمع. قال مكي بن أبي طالب القيسي: (أمانة) مصدر، وحق المصادر ألا تجمع؛ لأنها كالفعل، يدل على القليل، والكثير من جنسه، ولكنه لما اختلفت أنواع الأمانة لوقوعها على الصلاة، والزكاة، والتطهر، والحج، وغير ذلك من العبادات؛ جاز جمعها؛ لأنها لما اختلفت أنواعها شابهت المفعول به. فجمعت كما يجمع المفعول به. هذا؛ وانظر ما ذكرته بشأن الوعد، والعهد في سورة (الصف) رقم [٣] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {وَالَّذِينَ:} (الواو): حرف عطف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح معطوف على مثله في الآية رقم [٢٣] على جميع الاعتبارات فيه. {هُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لِأَماناتِهِمْ:} متعلقان ب‍: {راعُونَ} بعدهما. وقل في اللام مثل ما رأيت بقوله: {لِفُرُوجِهِمْ}. {وَعَهْدِهِمْ:} الواو: حرف عطف. (عهدهم): معطوف على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة، {راعُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>