قال الخازن رحمه الله تعالى: المقصود من هذه الآية بيان فضل الله، وكرمه، وسعة مغفرته، ورحمته؛ لأن السوء لفظ جامع لكل فعل قبيح، فيدخل تحته الكفر، وسائر المعاصي، وكل ما لا ينبغي، وكلّ من عمل السوء إنما يفعله بجهالة؛ لأن العاقل لا يرضى بفعل القبيح، فمن صدر عنه فعل قبيح من كفر، أو معصية، فإنما يصدر عنه بسبب جهله، إما لجهله بقدر ما يترتب عليه من العقاب، أو لجهله بقدر من يعصيه، فثبت بهذا: أن فعل السوء، إنما يفعل بجهالة، ثمّ إنّ الله تعالى وعد من عمل سوءا بجهالة ثم تاب، وأصلح العمل في المستقبل أن يتوب عليه، ويرحمه. انتهى بحروفه.
هذا؛ وللتوبة المقبولة شروط يجب توافرها، فإن كانت من حقّ الله تعالى؛ فشروطها ثلاثة:
الاستغفار باللسان، والندم بالجنان، والإقلاع بالأركان، وإن كانت من حق العباد يجب رد الحقوق لأصحابها بحسب الإمكان، فإن لم يرد الحقوق لأصحابها لا تقبل توبته وإن تاب ألف توبة! وانظر الآية رقم [١١٤] من سورة (هود) إن أردت الزيادة. {وَأَصْلَحُوا} أي: العمل. {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها:} من بعد التوبة النصوح؛ التي تتوافر فيها الشروط المذكورة. {لَغَفُورٌ} أي:
يغفر عمل السوء لمن تاب، وأناب إليه. {رَحِيمٌ:} بعباده جميعا، فهما صيغتا مبالغة.
بعد هذا؛ وعمل السوء هو الذي يسوء صاحبه، ويغمّه عند مجازاته به في الدنيا، والآخرة.
وانظر الآية رقم [٦] من سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
الإعراب:{ثُمَّ:} حرف عطف. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {رَبَّكَ:} اسم {إِنَّ،} والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
{لِلَّذِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ،} دل عليه خبر {إِنَّ} الآتي. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١١٠] فهذه مثلها في جميع وجوه الإعراب، وجملة:{عَمِلُوا السُّوءَ} صلة الموصول، لا محل لها. {بِجَهالَةٍ:} متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة؛ أي: عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله تعالى، وبعقابه، والجملة الاسمية:{إِنَّ رَبَّكَ..}. إلخ معطوفة على الجملة الاسمية:{مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} فيكون ما بينهما اعتراضا. {ثُمَّ:} حرف عطف {تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا} الجملتان معطوفتان على جملة الصلة لا محل لهما مثلها، والجملة الاسمية:
{إِنَّ رَبَّكَ..}. إلخ الثانية مؤكدة للأولى. {مِنْ بَعْدِها:} متعلقان بما بعدهما على التنازع أيضا.