هذا؛ وقال ابن هشام في «المغني»: وقال جماعة منهم ابن مالك في قوله تعالى: {فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ:} إن الجملة الاسمية: {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} جواب (لما)، والظاهر:
أن الجواب جملة فعلية محذوفة، أي: انقسموا قسمين: فمنهم مقتصد، ومنهم غير ذلك. ويؤيد هذا: أن جواب (لما) لا يقترن بالفاء. انتهى. بتصرف. وعليه فالفاء حرف عطف، وتفريع.
و (لما) ومدخولها معطوف على (إذا) ومدخولها، أو هو مستأنف لا محل له على الوجهين.
{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يَجْحَدُ:} فعل مضارع. {بِآياتِنا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {إِلاّ:} حرف حصر. {كُلُّ:} مبتدأ، وهو مضاف، و {خَتّارٍ} مضاف إليه، وهو صفة لموصوف محذوف.
{كَفُورٍ:} صفة ثانية؛ إذ التقدير: إلا كل شخص، أو إنسان ختار، كفور. وهو يشمل الذكر، والأنثى، والجملة الفعلية: {وَما يَجْحَدُ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها، والحالية ضعيفة.
{يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاِخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣)}
الشرح: {يا أَيُّهَا النّاسُ:} هذا النداء يشمل المؤمن، والكافر، والصالح، والطالح. {اِتَّقُوا رَبَّكُمْ:} خافوه، واعبدوه. {وَاخْشَوْا يَوْماً:} احذروا يوما، وخافوا عقابه، وأهواله، والمراد به يوم القيامة بلا ريب. {لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ:} لا يقضي، وقرئ: «(لا يجزئ)» من: أجزأ: إذا أغنى ونفع. {وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً:} بمعنى غير قاض، وغير مغن عن والده شيئا في ذلك اليوم الطويل زمانه، العظيم أهواله، القريب أوانه.
{إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ:} لا خلف فيه قطعا؛ بل إن ما وعد به عباده من الخير لا بد وأن يقع، وأن ما توعدهم به من الشر فهو بالخيار، لا يسأل عما يفعل، فإن شاء عفا، وإن شاء عاقب.
{فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا:} فلا تخدعنكم بزخارفها، وزينتها، ولا تشغلنكم عن طاعة الله تعالى بحطامها الفاني ومتاعها الزائل. {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} أي: الشيطان بأن يرجّيكم التوبة، ويؤملكم المغفرة، فيجرّئكم على المعاصي، ويسوف لكم بالتوبة.
هذا؛ و {الْغَرُورُ} بفتح الغين: الشيطان كما رأيت، وهو الذي يغر الخلق، ويمنيهم الأماني الكاذبة، قال تعالى في سورة (النساء) رقم [١٢٠]: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً}. هذا؛ وقرئ بضم الغين، كأنه مصدر: غرّ، يغرّ غرورا: خدعه، وأطمعه في الباطل.
قال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-هو أن يعمل بالمعصية، ويتمنى المغفرة.