للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما {جازٍ،} فأصله: «جازي» بكسرة على الياء علامة للجر، أو بضمة على الياء علامة للرفع، وبتنوين الصرف، لكن استثقلت الكسرة، أو الضمة على الياء بعد كسرة، فسكنت الياء، فالتقى ساكنان: الياء، والتنوين، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، وبقيت الزاي مكسورة على ما كانت عليه قبل الإعلال، فقيل: {جازٍ} بالكسر، وإنما لم يقل بالرفع؛ لأن الياء محذوفة لعلة الالتقاء، فهي كالثابتة فتمنع الرفع للزاي، وهكذا قل في إعلال كل اسم منقوص مجرد من ال والإضافة، سواء أكان ثلاثيا، أم رباعيا؟

قال الخازن-رحمه الله تعالى-: قيل: إن معنى الآية: أن الله تعالى ذكر شخصين في غاية الشفقة، والمحبة، وهما الوالد، والولد، فنبه بالأعلى على الأدنى، وبالأدنى على الأعلى، فالوالد يجزي عن ولده لكمال شفقته عليه، والولد يجزي عن والده لما له عليه من حق التربية وغيرها، فإذا كان يوم القيامة، فكل إنسان يقول: نفسي نفسي، ولا يهتم بقريب، ولا بعيد، كما قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كل امرئ تهمه نفسه.

وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: قوله: {وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً} وارد على طريق من التوكيد، لم يرد عليه ما هو معطوف عليه؛ قلت: الأمر كذلك؛ لأن الجملة الاسمية آكد من الفعلية، وقد انضم إلى ذلك قوله: {هُوَ} وقوله: {مَوْلُودٌ}. والسبب في مجيئه على هذا السنن: أن الخطاب للمؤمنين، وعليتهم قبض آباؤهم على الكفر، وعلى الدين الجاهلي، فأريد حسم أطماعهم، وأطماع الناس فيهم أن ينفعوا آباءهم في الآخرة، وأن يشفعوا لهم، وأن يغنوا عنهم من الله شيئا، فلذلك جيء به على الطريق الآكد. ومعنى التوكيد في لفظ المولود: أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه؛ لم تقبل شفاعته؛ فضلا عن أن يشفع لمن فوقه من أجداده؛ لأن الولد يقع على الولد، وولد الولد، بخلاف المولود، فإنه لمن ولد منك. انتهى.

وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فإن قيل: فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فتمسّه النار إلاّ تحلّة القسم». رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، ومالك عن أبي هريرة، رضي الله عنه. وفي رواية: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسّه النّار إلا تحلّة القسم». هذا؛ والقسم هو مضمون، وفحوى قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [٧١]: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها}. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من ابتلي من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهنّ؛ كنّ له سترا من النّار». رواه البخاري، ومسلم، والترمذي عن عائشة رضي الله عنها؛ قيل له: المعنى بهذه الآية: أنه لا يحمل والد ذنب ولده، ولا مولود ذنب والده، ولا يؤاخذ أحدهما عن الآخر. والمعنى بالأخبار-أي: بالأحاديث-: أن ثواب الصبر على الموت، والإحسان إلى البنات يحجب العبد عن النار، ويكون الولد سابقا له إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>