الشرح:{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً..}. إلخ: قال سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: نزلت هذه الآية في كفار قريش، كانوا يقولون في التلبية: لبيك لا شريك لك؛ إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: هذا مثل ضربه الله للمشركين، والمعنى: هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله، ونفسه مثله؟! فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم، فكيف جعلتم لله شركاء؟.
هذا؛ وقال بعض العلماء: هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض، ونفيها عن الله سبحانه، وذلك: أن الله عز وجل لما قال: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً..}. إلخ فيجب أن يقولوا: ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا. فيقال لهم: فكيف يتصور أن تنزهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم، وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي؟! فهذا حكم فاسد، وقلة نظر، وعمى قلب، فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم، فيما يملكه السادة، والخلق كلهم عبيد الله، فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله تعالى في شيء من أفعاله، فلم يبق إلا أنه يستحيل أن يكون له شريك؛ إذ الشركة تقتضي المعاونة، ونحن مفتقرون إلى معاونة بعضنا بعضا بالمال، والعمل، والقديم الأزلي منزه عن ذلك. وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه؛ لأن جميع العبادات البدنية لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب، فافهم ذلك. انتهى. قرطبي.
{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ..}. إلخ: منتزعا من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم. {هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:} من عبيدكم، ومماليككم. {مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ} أي: من الأموال، وغيرها. {فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ} أي: هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم، فتكونون أنتم وهم فيه شرك يتصرفون فيه كتصرفكم مع أنهم بشر مثلكم، وأن أموالكم معارة لكم؟.
{تَخافُونَهُمْ} أي: تخافون معاشر السادة عبيدكم فيها، فلا تمضون فيها حكما دون إذنهم خوفا من لائمة تلحقكم من جهتهم. {كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي: كما يخاف بعض الأحرار بعضا، فيما هو مشترك بينهم. فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم؛ فكيف ترضون لرب الأرباب، ومالك الأحرار، والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء. {كَذلِكَ} أي: مثل هذا التفصيل. {نُفَصِّلُ الْآياتِ:}
نبينها؛ لأن التمثيل مما يكشف المعاني، ويوضحها. {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:} يفهمون، وإذا فهموا؛ تدبروا، وإذا تدبروا؛ اتعظوا وتذكروا، وإذا اتعظوا؛ آمنوا ووحدوا، وإذا آمنوا؛ عبدوا الله.
فاستعمال العقل يؤدي إلى كل خير، وعدم استعماله يجعل الإنسان في عداد البهائم.