للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعلق بما قبله. {وَجَدْتُمُوهُمْ:} فعل ماض مبني على السكون، لاتصاله بتاء الفاعل المتحركة، والميم علامة جمع الذكور، وحرّكت بالضم لتحسين اللّفظ، فتولّدت واو الإشباع، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محلّ جرّ بإضافة: {حَيْثُ} إليها. {وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً:}

إعرابها مثل إعراب سابقتها، وهي مؤكّدة لها.

{إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اِعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠)}

الشرح: {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ} إلخ: هذا الاستثناء يرجع إلى القتل، والأخذ، لا الموالاة، فإنّها لا تجوز بحال من الأحوال مع الإصرار على الكفر. والمعنى: إلا الذين يتّصلون، وينتهون إلى قوم قد حصل بينكم وبينهم معاهدة، ومهادنة، فإنّهم داخلون في عهدكم أيضا، واجعلوا حكمهم كحكمهم. واختلف في هؤلاء الذين كان بينهم وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم ميثاق، فقيل: بنو مدلج، فعن الحسن البصري، قال: كان بينهم وبين قريش عقد، وكان بين قريش وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد. وقال عكرمة: نزلت في هلال بن عويمر، وسراقة بن مالك بن جعشم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف، كان بينهم وبين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عهد. وفي هذه الآية دليل على إثبات المهادنة، والموادعة بين المسلمين، والمشركين؛ إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.

{أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ..}. إلخ: هؤلاء قوم آخرون من المستثنيين من الأمر بقتالهم، وهم الذين يجيئون إلى مواطن القتال، وهم حصرة صدورهم؛ أي: ضيقة صدورهم، مبغضين أن يقاتلوكم، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم: لا لكم، ولا عليكم. {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ:} يذكر الله منّته على المسلمين بكف بأس المعاهدين، وذلك لما ألقى الرّعب في قلوبهم، وكفّهم عن قتالهم. ومعنى التسليط هنا: تقوية قلوبهم على قتال المسلمين، ولكن قذف الله الرّعب في قلوبهم، وكفّهم عن قتال المسلمين. وتسليط الكافرين على المسلمين: هو أن يقدرهم على ذلك، ويقوّيهم عليهم؛ إمّا عقوبة، ونقمة عند إشاعة المنكرات، وظهور المعاصي، كما قال تعالى في سورة (محمّد صلّى الله عليه وسلّم): {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ} وإمّا تمحيصا للذنوب، كما قال تعالى في سورة (آل عمران): {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا}. ولله أن يفعل ما يشاء، ويسلّط من يشاء على من يشاء إذا شاء.

{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ:} فإن لم يتعرّضوا لكم بقتال، وابتعدوا عنكم. {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أي: انقادوا، واستسلموا، ولم يتعرّضوا لكم بسوء. {فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً}

<<  <  ج: ص:  >  >>