سورة (الدهر) وتسمى سورة (الإنسان) أيضا مكية في قول ابن عباس، ومقاتل، والكلبي.
وقال الجمهور: مدنية. وقيل: فيها مكي من قوله تعالى: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً} إلى آخر السورة، وما تقدمه مدني. وهي إحدى وثلاثون آية، ومئتان وأربعون كلمة، وألف وأربعة وخمسون حرفا. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: {الم (١) تَنْزِيلُ..}. إلخ (السجدة)، و {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ..}. إلخ أخرجه مسلم.
الشرح:{هَلْ أَتى:} قال الكسائي، والفراء، وأبو عبيدة:{هَلْ} بمعنى: «قد»، والمعنى: قد أتى على الإنسان، كما تقول: هل رأيت صنيع فلان، وقد علمت: أنه قد رآه. وتقول: هل أكرمتك؟ هل وعظتك؟ ومقصودك: أن تقرره بأنك قد أكرمته، ووعظته. وبه قال القرطبي، والخازن في قوله تعالى في سورة (النازعات): {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى} وذكر الزمخشري: أنه منقول عن سيبويه، وذكر قول زيد الخير، وهو الشاهد رقم [٦٥٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط]
سائل فوارس يربوع بشدّتنا... أهل رأونا بسفح القاع والأكم؟
وقد كذّب ابن هشام الزمخشري بأن سيبويه لم يقل به، وقد ردّ البغدادي على ابن هشام في تكذيبه الزمخشري بقوله: إن الزمخشري إمام حافظ، ثقة مأمون فيما ينقله، فكان ينبغي له التأدب معه، لشأنه الرفيع، ومقامه المنيع. انظر الكلام على الشاهد المذكور آنفا تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ وعبارة السمين: في {هَلْ} هذه وجهان: أحدهما: أنها على بابها من الاستفهام المحض. والثاني: أنها بمعنى: قد. وقال مكي في تقرير كونها على بابها من الاستفهام، الذي معناه التقرير: وهو تقرير لمن أنكر البعث، فلا بد أن يقول: نعم قد مضى دهر طويل، لا إنسان فيه، فيقال له: من أحدثه بعد أن لم يكن، وكوّنه بعد عدمه، كيف يمتنع عليه بعثه، وإحياؤه بعد موته؟! وهو معنى قوله تعالى في سورة (الواقعة) رقم [٦٢]: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} أي: فهلاّ تذكرون، فتعلمون: أن من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن على غير مثال سبق قادر على إعادته بعد موته، وعدمه. انتهى. بتصرف.