للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى وَاِتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)}

الشرح: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} وهي: شوال، وذو، والعشر الأول من ذي الحجة. وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى. والقول بصحّة الإحرام بالحجّ في جميع السنة هو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد رحمهم الله تعالى. واحتجّ لهم بقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ} فعند الشافعية إذا أحرم بغير أشهر الحج انعقد إحرامه عمرة.

{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ:} بنية الإحرام عند الشّافعي، وعند أبي حنيفة بالتلبية، وإنّما سمي شهران، وبعض الشهر أشهرا، إقامة للبعض مقام الكل، أو إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد، أو هو من باب التغليب.

{فَلا رَفَثَ:} المراد به هنا: الجماع، انظر الآية رقم [١٨٧] فإنه جيد. أي: من أحرم بالحج، أو بالعمرة؛ فليجتنب الجماع، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة، والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء. قال ابن عمر-رضي الله عنهما-: الرفث: إتيان النساء، والتكلم بذلك للرّجال، والنساء، إذا ذكروا ذلك بأفواههم، ومنه قول المحرم لامرأته:

فإذا أحللنا؛ فعلنا بك كذا من غير كناية. وقاله ابن عباس أيضا، وأنشد وهو محرم: [الرجز]

وهنّ يمشين بنا هميسا... إن تصدق الطّير ننك لميسا

فقال له صاحبه حصين بن قيس: أترفث وأنت محرم؟ فقال: إن الرّفث ما قيل عند النّساء.

هذا؛ والرّفث: كلّ كلام ساقط لا قيمة له، قاله أبو عبيدة، وأنشد قول الشاعر: [الرجز]

وربّ أسراب حجيج كظّم... عن اللّغا ورفث التّكلّم

{وَلا فُسُوقَ:} ولا خروج عن حدود الشّريعة. وقيل: هو السباب، والتنابز بالألقاب، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الفسوق: جميع المعاصي المنهي عنها في حال إحرامه بالحج، أو بالعمرة، ومنه قتل الصيد، وقصّ الظفر. وقد ثبت عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حجّ هذا البيت، فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه». ورواية الصّحيحين: «رجع كيوم ولدته أمّه». {وَلا جِدالَ} أي: ولا مماراة، ولا مخاصمة. وهذه الأمور الثلاثة منهي عنها في جميع الحالات، وفي جميع الأوقات، والأمكنة.

وفي حالة الإحرام آكد، وهي في الحج أقبح، صيغته نفي، وحقيقته نهي، أي: لا يرفث... إلخ، وهو أبلغ من النّهي الصريح، كما هو معروف في فن البلاغة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

<<  <  ج: ص:  >  >>