للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل» ثم قرأ: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً}. رواه الترمذي، وابن ماجة عن أبي هريرة، رضي الله عنه.

{وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} أي: لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهو الذي يجازيكم عليها. حثّ الله على فعل الخير عقيب النهي عن الشرّ، وهو أن يستعملوا مكان الرّفث الكلام الحسن، ومكان الفسوق البرّ، والتقوى، ومكان الجدال الوفاق، والأخلاق الجميلة.

هذا؛ وذكر سبحانه الخير، وإن كان عالما بجميع أفعال العباد لفائدة، وهي: أنّه تعالى إذا علم من عبده المؤمن الخير؛ ذكره في الملأ الأعلى، وأشهره، وإذا علم منه الشر؛ أسرّه، وأخفاه:

فإذا كان هذا فعله مع عبده المؤمن في الدنيا؛ فكيف يكون في العقبى، وإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا لا يخجل العبد من ربّه حين ارتكابه المعصية؛ وهو يوقن: أنّه يراه، ويعلم ما يفعل.

هذا؛ والإحرام بالحج، والعمرة على ثلاثة أنواع: إفراد، وتمتّع، وقران. فصورة الإفراد: أن يحج، ثم بعد فراغه منه يعتمر من أدنى الحلّ. وصورة التّمتّع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحجّ، ويأتي بأعمالها، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من مكّة في تلك السّنة. وصورة القرآن: أن يحرم بالعمرة، والحج في أشهر الحجّ، فينويهما بقلبه، وكذلك: لو أحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم أدخل عليها الحجّ قبل أن يفتتح الطواف، فيصير قارنا. واختلفوا في الأفضل: فذهب مالك، والشّافعي إلى أن الإفراد أفضل، ثم التمتّع، ثم القران. وذهب الثوريّ، وأبو حنيفة إلى أن القرآن أفضل. وذهب الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه إلى أن التمتّع أفضل، ولكلّ دليله، علما بأن المفرد بالحج لا يلزمه شيء، وأما القارن، والمتمتع؛ فيلزمهما دم، أو صيام، كما قدّمته فيما سبق.

{وَتَزَوَّدُوا:} أمر الله باتخاذ الزاد في سفر الحج. نزلت في أناس من أهل اليمن، كانوا يخرجون للحجّ من غير زاد، ويقولون: نحن متوكّلون، ويقولون: نحج بيت ربنا. أفلا يطعمنا؟ فإذا قدموا مكة؛ سألوا الناس، وربما أفضى بهم الحال إلى الغصب، والنهب، والسّرقة. قال رجل للإمام أحمد-رحمه الله تعالى-: أريد أن أخرج إلى مكة على التوكّل بلا زاد. فقال له:

اخرج في غير القافلة. فقال: لا، إلا معهم، قال رحمه الله: فعلى جرب النّاس توكّلت!.

{فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى} أي: تزودوا ما تتبلّغون به. وتكفّون به وجوهكم عن الناس، واتّقوا إبرامهم، والتثقيل عليهم، وكذلك ما تتقون به من الهلكة، والضياع. وقيل: المعنى تزوّدوا من العبادة، والطّاعة، فإن الإنسان لا بدّ له من سفر في الدنيا، ولا بدّ له من زاد، ويحتاج فيه إلى الطّعام، والشراب... إلخ، ولا بدّ له من سفر في الدّنيا إلى الآخرة، ولا بدّ له من زاد، وهو تقوى الله، والعمل بطاعته، وهذا أفضل من الزاد الأول، فإن زاد الدنيا يوصل إلى مراد الدنيا، وشهواتها، وزاد الآخرة يوصل إلى النعيم المقيم، وفي هذا المعنى يقول الأعشى من قصيدته التي أعدّها لمدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>