للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تجز هنا بلا دليل... سقوط مفعولين أو مفعول

قال ابن عقيل-رحمه الله تعالى-: وهذا الذي ذكره المصنف هو الصحيح من مذاهب النحويين، فإن لم يدل دليل على الحذف؛ لم يجز لا فيهما، ولا في أحدهما... إلخ. {وَاتَّقى:}

الواو: حرف عطف. (اتقى): فعل ماض معطوف على ما قبله، فهو مثله في محل جزم، والفاعل يعود إلى {مَنْ} أيضا، ومفعوله محذوف أيضا. {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى:} هذه الجملة معطوفة على ما قبلها، وإعرابها ظاهر إن شاء الله تعالى. {فَسَنُيَسِّرُهُ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط.

السين: حرف تنفيس، واستقبال، وهي تفيد التحقيق، والتأكيد في حقّ الله تعالى. (نيسره): فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «نحن»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط. {لِلْيُسْرى:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الألف للتعذر، وخبر المبتدأ الذي هو {مَنْ} مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط. وقيل: هو جملة الجواب. وقيل: هو الجملتان، وهو المرجح عند المعاصرين. هذا؛ وإن اعتبرت {مَنْ} اسما موصولا؛ فهي مبتدأ، وجملة: {أَعْطى..}. إلخ صلتها، وجملة: {فَسَنُيَسِّرُهُ..}. إلخ خبرها، ودخلت الفاء في الخبر؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم. ويقال: الفاء واقعة في جواب (أما). والجملة الاسمية على الاعتبارين مستأنفة، ومفرعة عما قبلها لا محل لها.

{وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاِسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)}

الشرح: {وَأَمّا مَنْ بَخِلَ:} بماله، فلم ينفقه في وجوه الخير، والطاعة. {وَاسْتَغْنى} أي: عن فضل الله تعالى، وثوابه، فلم يرغب فيه. {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى} أي: فلم يؤمن، ولم يثق بما وعد الله به المحسنين من الثواب الكريم، والأجر الجزيل على إنفاق المال في وجوه الخير. {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى} أي: فسنهيئه للشر بأن نجريه على يديه؛ حتى يعمل بما لا يرضي الله، فيستوجب بذلك النار. وقيل: نعسر عليه أن يأتي خيرا. وفي الآية دليل لأهل السنة، وصحة قولهم في القدر، وأن التوفيق، والخذلان، والسعادة، والشقاوة بيد الله تعالى، ووجوب العمل بما سبق له في الأزل. انتهى. خازن.

هذا؛ وقد قال الزمخشري بقوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى} والمعنى: فسنلطف به، ونوفقه حتى تكون الطاعة أيسر الأمور عليه، وأهونها من قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} وقال بقوله تعالى هنا: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى:} فسنخذله، ونمنعه الألطاف؛ حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه، وأشده من قوله تعالى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ}.

قال أحمد بن المنير: ألا يطيل لسانه هاهنا على أهل السنة، ولكن قصره الحق، فتراه يؤول الكلام، بل يعطله؛ لأنه يحمله على ما لا يحتمله، وعلى كلامه في أمثالها روعة السارق الخائف.

<<  <  ج: ص:  >  >>